9.45°القدس
9.21°رام الله
8.3°الخليل
14.74°غزة
9.45° القدس
رام الله9.21°
الخليل8.3°
غزة14.74°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: لنذبح له القطة!

أدعو إلى التفكير جيدا فى كيفية «ذبح القطة» للدكتور مرسى. وحتى لا يلتبس الأمر على أحد من رجال الأمن الوطنى ويظن أننى بصدد الدعوة إلى تنظيم إرهابى جديد، فإننى أذكر بأننى استعرت الفكرة الشائعة فى الأوساط الشعبية المصرية التى تتحدث عن إقدام الرجل فى ليلة الدخلة على ذبح قطة أمام زوجته لكى تدرك أنه شديد البأس ومرهوب الجانب وعلى استعداد لأن يريق الدماء فى سبيل إنفاذ كلمته. إن شئت فقل إنها تمثيلية لاستعراض الشجاعة وتأكيد الفتوة فى بداية المرحلة الزوجية لتظل الكلمة العليا للرجل، بغض النظر عن قدراته الحقيقية. وفيما نحن بصدده الآن فإننا نريد أن نفتعل تمثيلية، مماثلة، فنتصرف باعتبارنا إعلاما محترما مصِرّا على الالتزام بأصول المهنة وتقاليدها، لذلك فالقارئ عندنا أهم من الرئيس. من خبرة عمل بالمهنة تجاوزت نصف قرن، وجدت أن الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة فى مصر خلال تلك المدة كانوا يبدأون بشرا وينتهون آلهة. وقد سئل الدكتور كمال أبوالمجد ذات مرة عن رأيه فى الرئيس الأسبق أنور السادات، بعدما عمل معه أكثر من خمس سنوات، فرد السؤال على السائل قائلا أى سادات تعنى، لأن شخصيته تغيرت عدة مرات خلال تلك الفترة. وزملاؤنا الصحفيون يذكرون أن الرئس السابق حسنى مبارك كان فى زيارة إحدى محافظات الدلتا فى بداية عهده. ورأوه وهو يدون بعض الملاحظات مما سمعه من المحافظ، وبعد عدة سنوات زار المحافظة ذاتها والتقى المحافظ ذاته، وحين أراد الرجل أن يبدى أمامه بعض الملاحظات فإن مبارك نهره قائلا هل تريد أن تعلمنى؟. لأن مبارك استمر فى السلطة ثلاثين عاما، اتيحت له فرص ممارسة الألوهية بصور شتى. ولا ننسى فى هذا الصدد قصة المصرى الذى التقاه حول الكعبة فى أثناء أدائه للعمرة فقال له بحسن نية اتق الله فى شعب مصر. ولم تغفر له هذه «السقطة»، فكان جزاؤه أن قضى بعد عودته 15 عاما فى السجن. وخلال تلك السنوات الثلاثين صدّق مبارك أنه منبع الحكمة فى هذا الزمان، وأن رحلاته إلى الخارج منعطفات فى تاريخ المنطقة والعالم المحيط. أما قراراته فهى من نماذج عمق التفكير ونفاذ البصيرة، فى حين أن كل واحدة من خطبه خطة عمل لكل مؤسسات الدولة. وما تصريحاته إلا منارات هادية للمثقفين والمبدعين ومصدر إلهام للمنشدين والفنانين...إلخ. منذ فاز الدكتور محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة دأب الكتّاب والمعلقون على توجيه النصح له ومطالبته بأن يفعل كذا وأن يمتنع عن فعل كذا وكذا. وهو شىء طيب لا ريب، أن تظل الأعين مفتوحة عليه طول الوقت، وألا يكف الناصحون والناقدون له عن محاولة تبصيره وتقويم مسيرته. لكن ثمة جانبا مسكوتا عليه فى المشهد يتمثل فيما يتعين على الإعلام أن يفعله حتى يقطع الطريق على احتمالات إفساد الرئيس الجديد وتأليهه. صحيح أن البيروقراطية والبطانة لها دورها الذى لا ينكر فى عملية التأليه. لكن الإعلام له دوره الأهم والأخطر. ولأننى أشك فى أن البيروقراطية والبطانة يمكن أن تغير سلوكها بسبب الموروث التاريخى. فالأمل معقود على دور الإعلام فى تثبيت أنسنة الرئيس ومعارضة تأليهه. لقد قال لى زميلنا الأستاذ حمدى قنديل ــ الإعلامى القدير ــ إن أحد خلافاته مع وزير الإعلام السابق صفوت الشريف سببها أنه كان يستخدم لفظة «الرئيس» مجردة، ولم يكن يشير إليه باعتباره «السيد الرئيس»، وهو ما أثار استياء الشريف عدة مرات، وأظن أنه آن الأوان لكى نتعامل بحزم مع جميع صور التأليه. فنعرض أخبار الرئيس وخطبه وتصريحاته بقيمتها عند الناس، وليس استنادا إلى أهمية مصدرها. فما يهم الناس له الأولوية، وما يهم الرئيس وحده فهو شأنه الخاص الذى قد يهم الرئاسة والأسرة. بالتالى علينا أن نطوى صفحة مقولة كلام الرئيس رئيس الكلام. فالأخبار ينبغى أن تكتب حسب أهمية مضمونها ولا علاقة لها بأهمية المصدر وترتيبه فى البروتوكول. ومن الاستخفاف بالناس أن تظل أخبار الرئيس على رأس كل النشرات دون اعتبار لقيمتها. ولا محل لإهدار صفحات الصحف وتضييع أوقات مشاهدى التليفزيون، لاستعراض نصوص خطبه أو أحاديثه المطولة، وكأنها قرآن منزل. إن الرئيس الإنسان لا ينبغى أن تعلق صوره فوق الرءوس فى جميع الموسسات الحكومية. ولا ينبغى أن يتحرك حيثما ذهب فى موكب امبراطورى يعطل مصالح الخلق. ولا محل لأن يصطحب فى سفراته جيشا من المرافقين الذين ينتمون له والصحفيين الذين يصفقون له. لقد سبقنا الدكتور مرسى حين طلب منع نشر تهانيه بالفوز على صفحات الصحف، التى تتكلف مئات الألوف من الجنيهات، وليته وجه بإيداعها ضمن موازنة أسر شهداء الثورة وعلاج مصابيها. ومازالت أمامنا فرصة لكى تحتفظ بالإنسان فيه، من خلال مبادرات من قبيل ما ذكرت، حيث لا أخفى أننى قلق عليه من غوايات الإعلام وقدرته على الإفساد. ناهيك عن أنه من الصعب أن يتحول الإعلام من دور القط الأليف إلى دور ذابح القطة!