يتقاذفون الكرة، ويصوبونها نحو السلة المعلقة فتخطئها أحيانًا وتصيبها هدفًا أحيانًا أكثر، ويركضون وراءها ركضًا مختلفًا، لم يركضوه بأقدامهم بل ركضوه بكراسيهم المتحركة، بعد أن أعاقتهم أسبابهم المختلفة عن الحركة؛ ولكن لم تعقهم عن الإرادة القوية والعزيمة الصلبة والتحدي لكل ظروف الحياة.

داخل صالة نادي الخدمات الرياضي يتدرب فريق نادي الإرادة للأشخاص ذوي الإعاقة على رياضة كرة السلة، تمرينًا لهم على هذه الرياضة وتطويرًا لمستواهم فيها، إضافة إلى الاستعداد لخوض مباريات مع أندية أخرى ضمن دوريات يتم تنظيمها في قطاع غزة بالتنسيق مع الصليب الأحمر، لتفعيل هذه الفئات في المجتمع.

انطلق نادي الإرادة للأشخاص ذوي الإعاقة قبل حوالي عام ونصف في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وحاصل على ترخيص من وزارة الشباب والرياضة، يضم فيه عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في المدينة، شاركوا في العديد من المباريات الخاصة بكرة السلة، وواجهتهم الكثير من العقبات في ظل قلة الإمكانيات والظروف الصعبة في توفير مكان خاص بهم.

طموح للاحتراف

الشاب الجريح عبد الجواد موسى (23 عامًا) من مدينة رفح، أصيب خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عام 2014 على قطاع غزة أثناء قصف لبيت أقاربه في دير البلح وسط القطاع، وخاض مرحلة علاج بمستشفى الشفاء قاربت 50 يومًا، بترت فيها قدمه اليمنى ويعاني من آلام في قدمه اليسرى نتيجة الشظايا.

حصل الشاب عبد الجواد على دبلوم في شبكات الحاسوب والإنترنت، ويكمل دراسته بعد إصابته للحصول على درجة البكالوريوس من جامعة القدس المفتوحة.

وخلال حديثه لـ"فلسطين الآن" قال موسى: "بعد الإصابة كل وقتي جالس في البيت في جو من الملل، وسنة كاملة ضاعت من عمري وأنا قاعد، وبعد ذلك التجأت إلى لعبة السلة بجانب كرة القدم التي كنت أحب ممارستها سابقا، ولعبنا في نادي الإرادة وشاركنا في عدة مباريات وبطولات".

وأضاف: "الحمد لله صرنا نتحرك ونخرج ونمارس حياتنا بشكل أفضل، والرياضة أعطتنا دافع أننا لا نبقى جالسين في البيت،  وأصبحت أعتمد على نفسي وأقوي إرادتي وأحاول أن أصنع شيئًا، وإن شاء الله حلمي الاحتراف خارج قطاع غزة".

وتابع بكل عزيمة: "طموحي أن نتطور ونصل لمستوى أعلى من ذلك حتى نوصل رسالة أننا غير معاقين، بل عندنا عزيمة وإرادة نريد أن نخرجها وهدف وطموح لكل واحد فينا يريد أن يصل إليه، وبالنسبة لي غير الجامعة ومعدلي من الأوائل وهذا إنجاز وحققته، والآن طموحي أن أصبح لاعب كرة سلة محترف عبر التدريب ومواصلة الجهد والوصول إلى الاحتراف مثل اللاعبين".

وفيما يخص النادي أوضح الشاب موسى أن النادي وفر لهم كراسي متحركة للعب بالتنسيق مع الصليب الأحمر، عدا عن توفير يومين في الأسبوع للتدريب وتطوير قدراتنا في رياضة كرة السلة، إضافة إلى توفير مواصلات للاعبين من الأشخاص ذوي الإعاقة للحضور إلى النادي من مختلف مناطق رفح، علاوة على توفير مدربين لمتابعة النادي.

ووجه رسالة للأشخاص ذوي الإعاقة بقوله: "أعلم أن الوضع العام غير طبيعي، ولكن أن تخرج من بيتك وتعتمد على نفسك وتغير من النفسية التي تعيشها من التفكير في إعاقتك بممارسة أي أمر، والرياضة تنسيك هذا الهم الذي تفكر به، ومن الممكن أن تكون إصابتك مرحلة من مراحل تقدمك في حياتك ومجتمعك أكثر من قبل عندما يملك الإنسان الإرادة".

نادٍ يحتضن

ومن جانبه أفاد القائم بأعمال النادي نضال الزاملي خلال حديثه لـ"فلسطين الآن"، أن النادي وفر للشباب مكان للتدريب في مدرسة الدوحة الثانوية بالتنسيق مع مديرية التعليم، وكذلك توفير مكان في إحدى مدارس الوكالة؛ ولكن واجههم عائق مكان لوضع الكراسي المتحركة الخاصة باللعب، كما أوضح.

وأشار الزاملي أنهم توجهوا لنادي الخدمات وسط المدينة ولاقوا ترحيبًا واستعدادًا لتوفير يومين تدريبيين لنادي الإرادة، منوهًا أن قلة الإمكانيات والمواصلات حالت دون تلقي أفراد النادي للتدريب لفترات طويلة، مما ضعف مستواهم في الدوري القائم لكرة السلة في القطاع، مؤكدًا أنه بعد التدريب تطور أداء الأفراد في المباريات الأخيرة وخاضوها بشكل أفضل، متأملًا "أن يكون لنا في الدوري القادم نصيب الأسد وفي الطليعة".

وقال: "الحمد لله تنشطوا وخرجوا من العزلة بعد فترة من الغياب، وتحسن أداؤهم كثيرًا، وفي يوم المعاق العالمي نظمنا لهم يومًا ترفيهيًا في جو من المحبة، وجمعية المعاقين في السلطان وفرت غرفة للنادي في مقر الجمعية كمقر مؤقت للنادي، ونحاول في الفترة القادمة تأهيلهم للاحتراف".

وقال الزاملي: "الهدف من فكرة النادي إخراج الإنسان من ذوي الإعاقة من البيئة والجو الذي يعيشه وتحويل الإعاقة من مصيبة عليه لسبب تميز له، وهناك كثير من المشاهير المميزين عنده إعاقة ولكنه محترف، وكثير من الأسوياء يحسدوه على هذا، وهذا بحاجة إلى تحد وعزيمة".

وأضاف: "الابتلاء حدث فإما أن تستسلم له وتصبح فريسة لمرض نفسي وإما أن يكون سبب للانطلاق لحياة جديدة وأفضل، والنادي لن يقتصر على لعبة السلة، وسيتم توسعة نشاطه ممكن يكون عندنا سباحة وألعاب القوى وعندنا نماذج في هذا، ونفكر أيضا بلعبة كرة القدم للذين عندهم بتر بقدم واحدة مثل عبد الجواد".

وعلى صعيد آخر أكد أن عدم توفير مكان دائم للنادي وصالة للتدريب من أكبر معوقات النادي، منوهًا أنهم "توجهنا لرئيس البلدية لتوفير قطعة أرض للنادي وأبدى استعداده ولكن لم نر شيئًا ملموسا على الأرض"، متأملًا من حكومة الوحدة أن تمنح النادي قطعة أرض على أساس بناء صالة مغطاة للنادي بعد توفير تمويل لها.

وتابع: "عدم الإمكانيات كلها معيق لنا، نريد مواصلات ووجبة غداء في بعض الأوقات، ومن المفترض المؤسسات الأهلية أن يكون لها موازنات من الحكومة، خصوصا أندية كهذه الأندية التي ترعى هذه الفئات المهمشة في المجتمع".

وتطرق الزاملي إلى القانون الفلسطيني الذي شرع 5% من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة، وقال: "ولكن في أرض الواقع لن تجد هذا مطبقا في الوزارات، ولو عمليا يتم العمل بقانون توظيف 5%، لن يحتاج هؤلاء بعدها إلى أحد، فلماذا نحن نحولهم إلى متسولين؟ ولماذا نعطيه سمكة، ولا نريد أن نعطيه سنارة؟".

وختم حديثه بقوله: "رسالتنا أن الإعاقة لا تكون سبب للفشل، بل يجب أن تكون سبب نجاحك، وتختبر نفسك وترى إبداعك في جانب وتسعى فيه وتحقق إنجازًا، ونادي الإرادة مفتوح لكل الأشخاص ذوي الإعاقة أن يتوجه للنادي بحيث نطور موهبتك أيا كانت ونصقلها وتكون عضوا فعالا ونشيطا في المجتمع، وبيدك وبيدنا نستطيع الحصول على حقك كإنسان".