على حافة السور الذي يحيط بمخيم الجلزون يقف عثمان نخلة يوميا، ينظر إلى المخيم الذي تضيق شوارعه شيئا فشيئا مع ازدياد ازدحام السكان فيه، مع استمرار منع التوسع العمراني إلا ما ندر هنا وهناك من المخالفين لسياسة التضييق الاسرائيلية، تغيب الشمس عن هذا المخيم يوميا بعد ساعات حافلة بالغالب من المواجهة المختلفة الاشكال مع الاحتلال.
أنشأ هذا المخيم عام 1948، عدد سكانه كان 2500 نسمة حينها، استقروا بعد الهجرة على مساحة 260 دونم، وصل العدد اليوم إلى 16000 نسمة يعيشون على نفس المساحة، بسبب عدم القدرة على التوسع باتجاه مستوطنة بيت ايل المحاذية بشكل مباشر للمستوطنة.
يقول أحد سكان المخيم عثمان نخلة: "هنا الحياة تختلف كثيرا عن الحياة في مدينة البيرة، التي لا تزيد المسافة عن كيلومتر واحد عنها، هنا الهجرة تتمثل أمام الفلسطيني كل يوم، المساحات ضيقة، الاقتحامات يومية للمخيم، ولا ندري هي اقتحامات من أجل التدريب العسكري لجيش الاحتلال أم أنه اقتحام لأخذ شاب قاوم جيش الاحتلال فيما سبق".
ويشير نخلة بيديه إلى بوابتين للمخيم، الأولى وهي الرئيسية والتي لا تبعد عن مستوطنة "بيت ايل" التي تعتبر أكبر معسكرات الاحتلال في المنطقة ما لا يزيد عن 300 م، ويقول: "ليلنا ونهارنا سواء، نحن نراهم نهارا أمام أعيُننا، وليلا بين منازلنا، ولا نقبل مقولة اعتدنا عليهم، لا يمكن الاعتياد عليهم، ففي كل مرة يقتحمون المخيم بشكل جديد، ولا يقصرون في عرض مختلف أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع بين الأزقة الضيقة، ولا في إطلاق الأنواع المختلفة من الرصاص".
وعلى الرغم من تأكيد شباب المخيم أنه بيئة مناسبة للمواجهات بسبب ضيق المساحة وقدرتهم على الاختباء بين المنازل عند التصدي لهم، إلا أنهم يؤكدون أنه من السهل أيضا اصطيادهم، إما معتقلين أو مصابين.
ويُعتبر أبناء المخيم من أبرز المشاركين في دعم الهبات الجماهيرية، ما جعلهم أيضا مرمى سهلاً لجنود الاحتلال، ولكن ليس فقط بإطلاق النار عليهم بل أيضا بفرض سياسات تضييقية على الحياة هناك، كالمنع من البناء والتوسع، والاستمرار في إغلاق الطريق المؤدية إلى المخيم بشكل مباشر، إضافة إلى احاطتهم بجدار الفصل العنصري، والذي يزداد طوله بين الفينة والأخرى.
صمود السكان هناك يرافقه إهمال رسمي بأبناء المخيم في ظل الخلافات السائدة منذ سنوات حول مخصصات المخيمات ونقص الدعم المُقرر لها، إضافة إلى نسبة بطالة فاقت الـ42% بين شبانها، ما يزيد من تذمر السكان من استمرار الاعتداءات الاحتلالية عليهم من دون وجود ما يردعهم، ومن دون وجود أي جهة تحمي استقرار العيش في المنازل الضيقة هناك، فوصل عدد الشهداء هناك أكثر من 25 شهيدا خلال السنوات القليلة الماضية هناك.
وتمثل اللجنة الشعبية في المخيم الجهة الرسمية الأولى، التي يلجأ إليها السكان لحل مشاكلهم، إلا أنهم يصطدمون بقضايا قلة الدعم التي لا تنتهي، إضافة إلى معاناتهم من نوايا الاحتلال بالسيطرة على أرض المخيم وطرد سكانه إلى منطقة الأغوار.
يقول مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم محمد مبارك: "نعاني من الاحتلال يوميا، اغلاق الطرق والحياة الليلة الغير مستقرة، جعلت من المخيم في حالة مقاومة مستمرة، ومن الصعب أن تهدأ ما لم يكف الاحتلال يده عنا، من ينسى حادثة اطلاق النار على الأطفال الأربعة والتي استشهد فيها ثلاثة منهم، لا يستطيع أن ينسى عدد المعتقلين غير المتوقف".
ويضيف مبارك: "على الاحتلال أن يعي أنه يجر الشبان إلى المقاومة بإجراءاته القمعية غير المتوقفة، وعلى الفلسطيني أن يعرف أن شعلة المقاومة في مخيم الجلزون مشتعلة طوال الوقت، وانها تزيد في الهبات الشعبية فقط، النضال هنا لردع أيدي الاحتلال الذي يعتبر مقاومة أبناء المخيم شوكة في حلقه، وللتأكيد على أن الاستقرار والبناء لن يُنسي أهالي المخيم الذين توارثوا زيارات المعتقلات أبا عن جد".
النصب التذكاري الذي أقيم على بوابة المخيم يبقي ذاكرة النضال منتعشة خضراء، تتجدد مع الوقت وتطول، ويحاول السكان إبقاء ذاكرة ابنائهم حية منذ النكبة من خلال تسمية الحارات بأسماء القرى التي هُجروا منها، ناهيك عن صور المعتقلين والشهداء التي تملأ أزقة المخيم والتي تبقي روح المقاومة حية في نفوس أبنائه لا تموت.