ما إن اقترب مصور وكالة الأنباء الفرنسية جعفر اشتية من جنود الاحتلال الإسرائيلي ليلتقط صورة لطفل كانوا قد اعتقلوه للتو على حاجز حوارة جنوبي نابلس، حتى بادره جنديان باللكم والضرب حتى وقع أرضا، وكادت كاميرته تنكسر.
في الساعة ذاتها، كان الاعلامي عمر عفانة يصاب بحالة اختناق شديدة بعدما اطلقت قوات الاحتلال القنابل المسيلة للدموع تجاه مجموعة من الصحفيين كانت تنقل المواجهات العنيفة التي دارت هناك.
يقول اشتية "هذه ليست المرة الأولى، فقد تعرضت وزملائي المصورين لعشرات الاعتداءات من ضرب وتنكيل وحجز ومحاولة تكسير المعدات التي نحملها ومنعنا من التصوير".
وعما جرى معه، أشار اشتية في حديثه مع "فلسطين الآن" إلى أنه شاهد الجنود يعتقلون طفلا لا يزيد عمره عن 15 عاما، "فحاولت التقاط صورة له، وما كدت اقترب منه لمسافة مترين حتى فوجئت بجنديين يقومان بدفشي وضربي ودفعي للخلف، حتى ارتطمت بحافة الرصيف ووقعت على الأرض".
وأوضح أن جنود الاحتلال يتعمدون التعامل بقسوة مبالغة بها وفظاظة كبيرة مع الصحفيين.. "لدينا من التجارب الكثير.. إذ أننا نقف عادة خلف الجنود وليس أمامهم، لأننا قد نكون عرضة للإصابة بالرصاص.. كما أننا نقف مع اتجاه الرياح حتى لا ترتد علينا الغازات السامة والمسيلة للدموع التي يستخدمها الجيش.. بمعنى أننا نحن نعرف عملنا جيدا.. لكن هذا لا يروق للجيش الذي يتعمد استهدافنا بالقنابل الصوتية والرصاص المطاطي في أحيان كثيرة".
لن يُسكتونا
من جهته، يشير مصور وكالة "رويترز" عبد الرحيم قوصيني إلى أن الجنود يصابون بحالة هستيرية في بعض الأوقات.. ويتركون المتظاهرين ويركزون استهدافهم على الصحفيين.. ورغم أننا نحمل شارات دولية ونرتدي ما يدل على مهنتنا، لكن ذلك لا يشفع لنا".
ولفت إلى أن الاحتلال لا يريدون فعلا نقل صورة تدل على همجيته وعدوانه.. فيلاحق الكاميرات والمصورين والصحفيين..
بدوره يؤكد الاعلامي عمر عفانة إلى أن الصحفيين رغم تلك الأفعال "لن يسكتوا الأفواه، ولن تغلق عدسات الكاميرات، وسنواصل نقل رسالتنا الاعلامية للعالم، لفضح ممارسات الاحتلال التي تسعى الى طمس الحقيقة لارتكاب المزيد من عمليات القتل للفلسطينيين".
اعتداءات بالجملة
وفي لقاء جمعه مع الصحفيين العاملين في نابلس، كشف نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، أن النقابة رصدت أكثر من 80 انتهاكا من قوات الاحتلال الاسرائيلي بحق الصحفيين العاملين في الميدان لتغطية الأحداث الرافضة لقرار ترامب.
وقال إن "من بين هذه الانتهاكات، إصابة عدد من الصحفيين بالرصاص الحي، والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وإصابتهم بشكل مباشر بالقنابل الصوتية والدخانية التي كانت ترمى عليهم بشكل متعمد لمنعهم من مواصلة التغطية الإعلامية، إلى جانب منع التصوير ومصادرة الكاميرات والمعدات أو تكسيرها".
رصد وتوثيق
وشدد أبو بكر، على أن هذه الاعتداءات تعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي الذي كفل حرية التعبير ووفر الحماية للعاملين في الحقل الاعلامي في وقت الحرب، وأخرجهم من دائرة الاستهداف.
ولفت إلى أن نقابة الصحفيين تتابع هذه الاعتداءات المتعمدة، حيث تقوم بتوثيقها بشهادات مشفوعة بالقسم، وتم رفع تقرير بهذه الانتهاكات لاتحاد الصحفيين الدولي، واتحاد الصحفيين العرب اللذين اصدرا بدورهما بيانا يستنكر هذه الممارسات، ويطالب حكومة الاحتلال بعدم استهداف الاعلاميين أو عرقلة عملهم في نقل الحقيقة.
وأشار أبو بكر إلى أن هناك حملة علنية في المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحرض على قتل الصحفيين وملاحقتهم ومنعهم من التواجد في أماكن المواجهات.
وتشير الكشوفات التي تبثها مؤسسات حقوق الإنسان إلى تزايد الاعتداءات على الصحفيين، التي تشمل إطلاق النار ومصادرة المعدات والتهديد، أو الاعتقال والاحتجاز على خلفية النشر، أو التعبير عن الرأي.
وتمارس حكومة الاحتلال ووزارة حربها الانتهاكات بحق الصحفيين خلافا للمادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان فيما يتعلق بحرية الصحافة، وخلافا لما وقعت عليه من المعاهدات والاتفاقيات التي بقيت حبرا على ورق في ظل الاستهداف المتواصل لأبناء الشعب الفلسطيني بكل أطيافه.
مخاطبة الأمم المتحدة
من جهته، قال عضو الأمانة لنقابة الصحفيين عمر نزال إنه تم "تشكيل لجنة قانونية لبحث الآليات القانونية الدولية الفاعلة لمحاسبة المعتدين على الصحفيين بما فيها مفوض حرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والعمل على ذلك بشكل عاجل، والاجتماع مع ممثلي وقناصل الدول الاجنبية في الأراضي الفلسطينية لوضعهم في صورة الوضع الخطير الذي يعاني منه الصحفيين الفلسطينيين".
وأوضح أنه تقرر توجيه رسالة عاجلة إلى مجلس الامن الدولي لحثه على وضع آلية عاجلة لضمان تنفيذ قراره 2222 الصادر في 2015 المتعلق بعدم نفاذ قتلة الصحفيين من العقاب، وكذلك توجيه رسالة عاجلة للصليب الأحمر للتواجد الميداني بين الصحفيين خلال تغطيتهم للأحداث وفتح خط ساخن للصحفيين للتبليغ عن الانتهاكات التي قد يتعرضون لها ومعالجتها فورا، إضافة إلى رسالة عاجلة لإدارة موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) لإزالة المنشورات التحريضية ضد الصحفيين الفلسطينيين.