13.34°القدس
13.1°رام الله
12.19°الخليل
16.95°غزة
13.34° القدس
رام الله13.1°
الخليل12.19°
غزة16.95°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: عرفات.. من قتل ومن تواطأ وماذا بعد؟

لم نتوقف منذ ثماني سنوات، لا نحن ولا كثيرون غيرنا عن التأكيد على أن ياسر عرفات رحمه الله قد مات مسموما، وبين الفينة والأخرى كانت الاتهامات بالتواطؤ مع المجرمين تعود إلى الواجهة من جديد، وغالبا في سياق التراشق بين قيادات حركة فتح، بدءا بقنبلة فاروق القدومي (رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير) التي اتهم من خلالها عباس ودحلان بالمشاركة في الجريمة، ومرورا باتهام قيادة فتح لمحمد دحلان بذات التهمة، وليس انتهاءً باتهامات محمد رشيد (خالد سلام) لعباس. الجريمة كانت أوضح من الشمس في رابعة النهار، بل إن الصهاينة لم يحرصوا على إخفائها، وإن أخفوا تفاصيلها المباشرة، ولعلنا نشير هنا إلى ما كشفه الصحفي الإسرائيلي المعروف (أوري دان)، وهو الإعلامي الأكثر قربا من شارون، وأورده في كتابه "أسرار شارون" الذي صدر عام 2007. وفيه يقول (دان) إن شارون قد تحلل في 14 أبريل/نيسان 2004 من وعده لبوش بعدم التعرض لعرفات، وفي اللقاء الذي عقد بينهما في البيت الأبيض، قال شارون لبوش إنه لا يعد نفسه ملزما بالوعد الذي منحه له أثناء لقائهما الأول بعد فوزه في الانتخابات، وهنا رد بوش قائلا "ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بأيدي قوة عليا، بأيدي الله" ، فأجاب شارون "ربما يجب أحيانا مساعدة الله". وعندما سكت بوش اعتبر شارون أنه "تحرر من عبء ثقيل" ، والعبارة الأخيرة للصحفي الإسرائيلي. الجريمة إذن كانت واضحة، وأداة الجريمة (السم) كانت معروفة أيضا تبعا لطبيعة الحالة المرضية التي أصابت الرجل وعجز الأطباء عن تحديدها (أقله في العلن)، تماما كما هو حال محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، لكن ما فعلته الجزيرة هو أنها قدمت لنا الدليل العملي الواضح (المحسوم، وليس شبه المحسوم من وجهة نظرنا) على الجريمة، وذلك عبر تحديد السم الذي سبق أن استخدمه الروس في قتل العميل الروسي السابق" ألكساندر ليتفينينكو" في لندن (البولونيوم 210)، الذي يرجح أنه هو نفسه الذي استخدم في قتل عرفات (وجدت آثاره في ملابسه). أما البعد الآخر فيتمثل في تواطؤ جهات كثيرة، في مقدمتها فرنسا وجهات مصرية وتونسية على إخفاء الحقيقة. معلوم أن البلد الأكثر خبرة في مجال السموم، ربما في التاريخ البشري، هو الاتحاد السوفياتي، خاصة جهاز مخابراته الأشهر (KGB). وعندما انهار الاتحاد السوفياتي استقطب الإسرائيليون الكثير من تلك الخبرات، فيما كانت بعض الدول العربية (العراق نموذجا) قد حصلت على بعض تلك السموم التي تقتل بطرق مختلقة. بعضها خلال ساعات، وبعضها خلال أيام، وبعضها خلال شهور، وقد استخدم صدام حسين تلك السموم في اغتيال عدد من معارضيه، وكذلك فعل الإسرائيليون في اغتيال (وديع حداد) من خلال علبة "شوكولاته" أهديت إليه، وكان يحب "الشوكولاته". الجريمة إذن واضحة تماما، والمجرم معروف أيضا، ولكن ماذا عن المتواطئين مع الجريمة، أكانوا عربا أم فلسطينيين. في السياق العربي كان الجميع متواطئا في السكوت عليها، لكن أهمهم على الإطلاق كان نظام مبارك بجناحيه (الرئيس وعمر سليمان)، ولا يستبعد أن يكون شارون قد أخبرهما بنيته قتل عرفات، لا سيما أن مصر إلى جانب أميركا هما أهم عناصر الحصانة التي كانت ممنوحة للرجل، وقد تواطأ نظام مبارك على إخفاء الجريمة، وتجلى ذلك واضحا في مساعدته على إتمام سائر الترتيبات التي أرادها الإسرائيليون بعده. ويمكن إضافة نظام زين العابدين بن علي أيضا، فضلا عن الفرنسيين الذين أتلفوا عينات الدم والبول التي تعود لعرفات، أقله كما زعموا. هنا نشير للضرورة بأن سبب قتل ياسر عرفات لم يكن رفضه التوقيع في كامب ديفيد صيف العام 2000، وإنما دعمه الضمني، بل الواضح أحيانا لانتفاضة الأقصى، وهي الانتفاضة التي وقف فريق عباس-دحلان ضدها تماما، ضمن نظرية رفض العسكرة كما كانوا يسمونها، وهم أنفسهم الذين استخدموا في التآمر عليه من خلال الأميركان والإسرائيليين. لا ينفي ذلك أن اعتباره (أميركيا وإسرائيليا) عقبة في وجه السلام هو الذي سرع في اتخاذ القرار، لا سيما بعد أن توفر البديل الذي يقبل بما يريدون، وصار من السهل عليهم التخلص من الرجل، وهو ما كان بالفعل. وهنا صبَّ النظام المصري كل جهده، ومعه بعض المتواطئين الآخرين في حركة فتح، في سياق توريث كل شيء لعباس (السلطة والمنظمة وحركة فتح). هذه المجموعة التي ورثت ذلك كله هي التي تواطأت في سياق إخفاء الجريمة، بل إن بعضهم لم يكن يرعوي عن القول متهكما إن الرجل قد مات بالإيدز، فضلا عن أن الادعاء بأنه مات موتا طبيعيا، وهم يدركون تماما أنه قتل مسموما بالفعل. ليس بوسعنا أن نقول إن فلانا أو علانا كان على علم مباشر بالجريمة، أو أنه هو الذي أدخل السم إلى طعام عرفات أو جسده، لكن المؤكد أن الأجواء التي سهلت الجريمة كانت من إعداد الفريق الوارث للرجل، والذي وفر البديل، كما ساهم في التحريض عليه بشكل مباشر. اليوم، ما الذي يمكن أن يكون عليه الرد بعد أن انكشفت الجريمة والفضيحة؟ إن أقل ما يمكن أن يفعله المعنيون بالوضع الفلسطيني هو المطالبة بلجنة تحقيق دولية في الجريمة على غرار لجنة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فما قدمه تحقيق الجزيرة ليس عاديا بأي حال، إذ قدم أدلة واضحة على الجريمة يمكن إثباتها بتشريح الجثة. نعلم أن أمرا كهذا لن يتم بسهولة، فالجهات الدولية التي وقفت خلف لجنة التحقيق في اغتيال الحريري لن تتساهل في حالة كهذه تضر بسمعة الكيان الصهيوني وتدينه أمام العالم أجمع، مع أننا إزاء كيان يعد عرفات مجرما ويستحق القتل، وقد قتل من قبله جحافل من القادة الفلسطينيين، سواء من فتح ومنظمة التحرير أم من الفصائل الأخرى، وفي مقدمتها حركة حماس، لا سيما قادتها الكبار (نفس تهمة التورط في انتفاضة الأقصى وقتل الإسرائيليين)، وقد تم ذلك بشكل واضح ومباشر عبر الصواريخ كما هو حال جمال منصور وجمال سليم في الضفة الغربية، والشيخ ياسين والرنتيسي وإبراهيم المقادمة وصلاح شحادة في قطاع غزة، بل إن جريمة الاغتيال الأخيرة قد شملت عمارة بأكملها، وذهب ضحيتها 14 شخصا آخرون غير شحادة ومساعده من بينهم 9 أطفال، ومع ذلك لم يحدث شيء (اغتيل أيضا قائد الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى). من هنا، فإن الأهم من ذلك كله هو فضح المتواطئين مع الجريمة، وهم بكل وضوح قادة السلطة الحاليون، وفي مقدمتهم الرئيس نفسه، لأنهم كانوا يعلمون أن جريمة قد وقعت، ومع ذلك لم يبادروا إلى فعل شيء، لأن كل ما كان يعنيهم هو وراثة الرجل وليس شيئا آخر، وهم حين اختلفوا فيما بينهم لم يتطرقوا إلى الجريمة (وأقله التستر عليها) لأنهم شركاء فيها أو في التستر عليها. ألم يكونوا هم الذين حاولوا التخلص من الرجل عبر انقلاب عسكري قبل ذلك بعام، وكان بطل الانقلاب هو محمد دحلان بالتواطؤ مع محمود عباس؟! ليس لدينا ما نضيفه للتحقيق الذي نشرته الجزيرة، فقد شاهده الجميع، ولكننا نتحدث عن الموقف الفلسطيني، وهنا ينبغي أن يكون السؤال الأهم هو المتعلق بردة فعل حركة فتح على وجه التحديد، التي تقف الآن بقضها وقضيضها مع محمود عباس وتعادي كل من يتجرأ عليه، كما حصل مع محمد دحلان، وتاليا مع محمد رشيد أو خالد سلام. الآن، ينبغي على قادة فتح وكوادرها أن يقفوا وقفة صدق مع أنفسهم. وقفة صدق تستبعد روح القبيلة التي تتلبسهم طوال الوقت، فالذي يهيمن اليوم على الحركة والمنظمة والسلطة كان متواطئا في قتل ياسر عرفات، وهو جاء بإرادة العدو، ولا يمكن أن يكون أمينا على مسار القضية. ولا قيمة هنا للقول إن لم يتنازل، لا سيما بعد أن أثبتت وثائق التفاوض أنه ذهب بعيدا في التنازلات، لكن الطرف الصهيوني هو الذي رفض عروض مفاوضيه المغرية. كما أن تغييب القضية في مسارات عبثية تحمي أمن الاحتلال وتتمسك بسلطة تعمل لمصلحته هو تآمر على قضية فلسطين حتى لو لم يتورط في توقيع مباشر لا يستطيعه في مواجهة الشعب الفلسطيني. هل نأمل في شيء كهذا؟ هل نأمل في حراك داخل فتح يبعد هذا الرجل ومن يدورون في فلكه، ويستعيد روح فتح كحركة تحرر، وليس كحزب سلطة تابعة للاحتلال؟! إن الأزمة مع حركة حماس لا ينبغي أن تعمي هؤلاء عن حقيقة الأزمة التي تعيشها القضية تحت قيادة من تواطؤوا مع قتلة ياسر عرفات، وحرفوا مسار القضية نحو خيارات عبثية، وها هم يريدون العودة للتفاوض دون أي أفق، وفي ظل استمرار الاستيطان والتهويد.