11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
16.64°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة16.64°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: الصومال صفعة لكرامة أمة.

كنتُ أحيا راضيةً رغم شظف العيش وقلة المعاش، فبناتي دنيتي، وزوجي عالمي، حربٌ داخلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، قضت على أحلام أطفالي العيش بسلام، وقحط وجفاف قضى على ما تبّقى لنا من آمال في حق بحياة كريمة مكفولٌ فيها حقنا بالغذاء والماء، قضى زوجي ليتركني مع سبعة من الأطفال لا حول ولا قوة لنا إلا الله، نفترش أرضه ونلتحف سماؤه، سرت 300 كيلو متر مربع ومعي سبعة من بناتي، وصلت فقط بواحدة منهن ودفنت الأخريات بعد أن قضى عليهن عطشهن وجوعهن وإلى الله المشتكي. انفطر القلب كمداً، وسالت العبرات مني، ورجوت الله أن تُشتق الأرض وتبتلعني وأنا استمع لمأساتها، وتمنيت أن لا يكون بيني وبينها حدود ولا للوصول إليها قيود، لأقبل قدمها علّها تغفر لي بعض تقصيري في أمر المسلمين هناك في الصومال، فهي مسؤوليتي قبل أن تكون مسؤولية أحد آخر، فعذراً يا أمةُ الله على التقصير، فما غير الدعاء والكتابة ونصرتكم بقليل من المال نستطيع. مازال سقوط الضحايا يتوالي في صومال المسلمين، صاعدين إلى ربهم شاكين خذلان المسلمين وتقاعسهم عن نصرة المنكوبين، المسلمين الذين تاركو أهل الصومال فريسة المرض والجوع، وباللذات والمال الوفير هم منعمين. تُفيد الإحصائيات أن 12 مليون شخص في منطقة القرن الأفريقي يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة بسبب الجفاف، وتقول الأمم المتحدة إن 64 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحادة في الصومال، وقد أعلنت الأمم المتحدة عن خمس مناطق مجاعة بما فيها مخيمات اللاجئين في مقديشو، وقد قتلت المجاعة أكثر من 29 ألف طفل دون سن الخامسة خلال التسعين يوماً الماضية فقط طبقاً للإحصاءات الأميركية. وقد سارعت المؤسسات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة إلى إعلان الصومال منطقة مجاعة وأنها بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وأعلنت عن أرقام مالية لتلك المساعدات، حيث طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون 1.8 مليار دولار لتمويل جهود الإغاثة في القرن الأفريقي. وتناست تلك المؤسسات وفي مقدمتها الأمم المتحدة أنها جزء من معاناة الصوماليين الذين لا يصلهم أكثر من 20% من قيمة المساعدات المرصودة لهم من قبل المجتمع الدولي، ناهيك عن استنزاف الأموال في الإنفاق على القوى العسكرية المتواجدة في البحر والأرض الصومالية للحفاظ على مصالح الدول الكبرى من القراصنة الجياع. ولو قامت تلك المؤسسات الدولية بصرف الموازنات في مستحقها، وتثبيت عملية سلام حقيقية بين الأطراف المتنازعة في الصومال لاختلف وضع الصومال كماً وكيفاً، فالأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة تستثمر مثل هذه الأوضاع المأساوية، لاستمرار تدفُّق الأموال والرواتب المجزية، فميزانيتها باسم الصومال في عام 2010 بلغت 850 مليون دولار تحت مسمى (إطعام الجائعين) وفي العام الذي يسبقه كانت 750 مليون دولار، وبطبيعة الحال لو كانت هذه الأموال تُصرَف للصوماليين فعلاً، لعاشوا حياة مرفَّهة، ولتوفَّرت لهم المدارس والجامعات والمستشفيات، والطرق والمواصلات، ولكن حسب ما تفيد المصادر القريبة من هذه المنظمات، فإن 80% من هذه الأموال تذهب للمصاريف الإدارية، و 5% للسلطات المحلية و 15% فقط قد تصل للجائعين في صورة ذُرة صفراء وبعض الأدوية والإسعافات. والعجيب أن المجاعة تحدث في أرض حباها الله بالخيرات وأنعم عليها بمصادر طبيعية وفيرة، فلمن لا يعرف، فالصومال أرضٌ زراعية تبلغ مساحتها نحو 8.1 مليون هكتار، تكفي لإطعام 142 مليون من البشر، بينما لا يتجاوز عدد السكان 8 ملايين، وفيها نحوٌ 6 ملايين رأس من الإبل (أكبر عدد في العالم على الإطلاق)، و30 مليون رأس غنم، و20 مليون رأس بقر، يخترق أرض الجنوب نهرا (جوبا وشبيلي). ويتمتع الصومال بموقع إستراتيجي في القرن الإفريقي وبأطول ساحل في إفريقيا كلها، فطوله يبلغ 3300 كيلو متر، حيث يُشرِف على سواحل المحيط الهندي ومدخل البحر الأحمر والخليج العربي، ولذلك يكون من أكثر ممرات العالم ازدحاماً، ويمكن أن يُنتج 300 ألف طن من الأسماك و20 ألف طن من الجمبري، ولكن في ظل انعدام الدولة تُنهَب هذه الخيرات، وقد أثبتت الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 700 سفينة صيد تصطاد الأسماك بصورة غير شرعية، ودول السوق الأوروبية وحدها تسحب من السواحل الصومالية ما قيمته 300 مليون يورو، هذا إلى جانب البترول والمعادن المختلفة، ولكن الصوماليين محرومون من هذه الكنوز والخيرات، بسبب الخلافات الداخلية والتدخلات الأممية. وعل ما تقدم يُبرز بوضوح دور أجندات خفية تحاول الإبقاء على الصومال رهينة الحاجة والمساعدات، مشغولة بحربها الداخلية، مما يستدعي تدخلات خارجية تنهب خيرات البلاد وتستجلب باسم مأساة الصومال المساعدات. إذاً فالأمم المتحدة بأذرعها، وبما فيها برنامج الغذاء العالمي، غير جديري الثقة بحمل الأمانة وتولّي زمام المبادرة في معالجة أزمة الصومال ومأساته، وهنالك حاجة لأن يستيقظ العالم العربي والإسلامي من سباته ويتقدم بخطى ثابتة تجاه معالجة الوضع في الصومال، وهنا نقطة نظام، فقد ملّت الشعوب تنافس غير محمود وصراع مذموم بين مؤسساتنا العربية والإسلامية في مناطق الأزمات والكوارث، فكلاً منهم يريد أن يتصدر المشهد، ويبادر في التنفيذ، لتحقيق مردود إعلامي دون أن يكون هنالك تأثير على الأرض حقيقي، الصومال وغيرها تحتاج لتكاتف الجهود وجمع تشرذم مؤسسات العمل الأهلي والخيري لتعظيم الفائدة وتحقيق الأهداف المرجوة، أما وإن بقت مؤسساتنا تتنافس على التصدر، وترغب بالاستئثار، والاستحواذ على قنوات التمويل وتعاطف الشعوب، فستبقى الصومال ترزح تحت المأساة وسيُضاف لمشهد الصومال الحزين، جزء بائس آخر يتمثل في فشل مؤسساتنا بالتعاون فيما بينها وفق مبدأ الشراكة والتكامل. وشباب العالم الإسلامي إلى متى ستبقى مُغيباً عن لعب دور في معالجة قضايا الأمة، فالصومال تستنهض الهمم وتستدعي أصحاب القمم، المشمرين عن السواعد، الحاملين لهمّ الأمة وعيونهم على مجدها الواعد. لا يمكن أن يبقى شباب أمتنا وخصوصاً أخواننا في دول الخليج أكبر همهم سياحة وسفر، تنقل وسهر فكرامتهم كما كرامتنا على المحك، فالصومال صفعة في كرامة أمة إن لم تُغاث من قبلنا فلا أمل يرجى فينا. ومجتمعاتنا العربية والإسلامية، هذا هو يومكم يوم التضامن والتلاحم، يوم الأخوة والتكافل، فالله الله في جودكم والله الله في عطائكم فإخوانكم يموتون جوعاً وأنتم على موائد الطعام بما لذ وطاب تتمتعون، تذكروا وأبنائكم حولكم على مائدة الطعام هنالك أم ترقب جسد طفلها الهزيل يصارع الموت والجوع ينتظره نسر جائع ليلتهمه بعد الممات، ولا تملك دفع النسر عن جسده فقد أنهكها مع قضى على ولدها، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وحكومات المسلمين، إن الذين يموتون جوعاً في رقبتكم ليوم الدين فأنتم من يملك قرار الدول وأموالها، ولو قمتم بإلغاء بعض من سفرياتكم وضيافاتكم ومؤتمراتكم وانطلقتم لفضاء التنفيذ وتطبيق الفعل قبل القول لانحازت لكم الأمة وشعوبها فإياكم والتخلف عن مأساة المسلمين في الصومال وإلا فانتظروا التبدل. الصومال صفعة مدوية في كرامة الأمة الإسلامية بل وصفعة للإنسانية جمعاء تحتاج جهد الجميع وأمام حاجة أهلنا في الصومال هذه رسائل نُطيرها علّها تكون جسر الأمل فوق بحر الألم الصومالي. مؤسساتنا العربية والإسلامية، هموم الأمة بشكل عام والصومال بشكل خاص ومعاناتهم حملٌ ثقيل، يحتاج تضافر جهود الجميع، يحتاج للصادقين قولاً وفعلاً، لمن يعطي فيُجزل، ولمن على نفسه يوُثر، لمن يعمل بروح الفريق وهدفه ريادة الإنسانية لا ريادة فردية مؤسسية، لمن سبق وصدق، لمن يخطط لأجل الشعب المكلوم والإنسان المظلوم، لا وفق مصالحه الشخصية ومتطلبات مؤسسته الآنية، لمن يعرف التحديات جسام وأمامكم العديد من المسؤوليات تُجاه مساعدة الشعب الصومالي فالله الله في وحدتكم والله الله في تعاونكم تكامل لا تنافس، وحدة لا إلغاء. شبابنا في العالم العربي والإسلامي، أنتم عماد الأمة ومصححي ماضيها وسند حاضرها وراسمي مستقبلها، الصومال ومأساتها أمانة ستُسألون عنها يوم القيامة فإياكم والتفريط بواجباتكم وعليكم بأداء مهماتكم فدعوا العالم يلمس فعالكم فأنتم لها إن أردتم للأمة أن تستعيد فيكم آمالها. مجتمعنا العربي والإسلامي، بنفسك فابدأ لا تنتظر من أحد أن يطلب منك مساعدة أخوانك في الصومال، نظّم، رتّب، أجمع، ادعم، شارك ولا تترك أخوانك في الصومال يموتون جوعاً وأنت تتنعم في ملذات الدنيا. حكوماتنا أنتم من وُليتم أمرنا، شأن الصومال شأننا نحن لكم في سبيل خدمتهم جنود، فقط احشدوا الموارد وأعلنوا الرغبة، وجهزوا الطائرات فالمعونات ستكون بدايتها مطاراتكم ونهايتها آخر نقطة مجاعة في الصومال. لتكن الصومال عنوان عمل دول العالم الإسلامي المشترك، ترعاها الحكومات وتقودها المؤسسات وجنودها المجتمعات، لنبنى الصومال ونطرد عنهم المجاعة وسوء الحال.