21.35°القدس
21.11°رام الله
23.86°الخليل
26.03°غزة
21.35° القدس
رام الله21.11°
الخليل23.86°
غزة26.03°
الجمعة 04 أكتوبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.2يورو
3.8دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.2
دولار أمريكي3.8

صفقة القرن أو صفقات القرون، ثمّ ماذا؟!

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

الصفقة تعني في اللغة البيعة أو المبايعة بين طرفين لأمرٍ ما، خيراً كان أم شراً ولربحٍ فيه أو خسارة. ويُعنى بصفقة القرن هنا ما يدور في أوساط السياسة المحلية والعالمية من العمل على تنفيذ الدوائر المعادية لأمتنا، خُطّةً تقضي بإنجاز ما يريده اليهود من إقامة دولتهم في فلسطين خالصةً لهم دون العرب الذين سيجري طردهم منها، واعتراف العالم كله بهذه الدولة الغاصبة وإنهاء المقاومة الفلسطينية لكيانها الدّخيل، وإنكار حقّ عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

 ومعلومٌ أنّ من يتولّى كِبْر هذه الجريمة هذه الأيام الرئيس الأمريكي ترامب ومن يدور في فلكه من هذه الأمّة!! ولقد كثر الحديث منذ مدّة في الإعلام عن هذه الصّفقة الجريمة ولا يزال، ما بين مثبتٍ لها ونافٍ أو متشكك.

 وأنا أقول: إنّ هذه الصفقة حقيقةٌ، وهي جاريةٌ ويعمل المتآمرون من مختلف الأطراف على تحقيقها من غربٍ وعرب، ولكنني أضيف – آسياً ومنبِّهاً وزارياً على بعض أبناء هذه الأمّة من مغفّلين وغيرهم –: أنّ هذه هي إحدى الصفقات في سلسلةٍ متواصلة بدأت في جغرافية هذه الأمّة وتاريخها منذ عدّة قرون على الأقل، يديرها الغرب الحاقد على أمتنا من وراء ظهرها بسريّة تامّة، وقد يكون بعلم بعض أبنائها الذين وقعوا لسببٍ أو لآخر في فخّ أولئك المجرمين.

 إنّ دخول يهود الدّونمة يوماً إلى تركيا صفقةٌ من هذه الصفقات، وإنّ رفع شعار القومية في الدولة العثمانية أواخر عهدها بين الأتراك والعرب خاصّة صفقة، وإنّ إنشاء دستور مدحت (باشا) في تركيا في ذاك العهد وإبعاد الشريعة الإسلامية عن دست الحكم فيها صفقة، وإنّ إشاعة اصطلاح الرجل المريض على تلك الدولة عند الغرب قبل قرن من سقوطها صفقة، وإنّ موافقة العرب أن يقفوا مع الحلفاء في الحرب العالمية الأولى صفقة، وإنّ سكوت العرب على اتّفاقية سايكس بيكو وإصدار وعد بلفور والحرب ما زالت دائرة وسكوتهم عن ذلك صفقة أو صفقتان، وإنّ قيام الحروب الأربع: (48، 56، 67، 73) ودخول العراق للكويت ومن ثمّ قيام أمريكا بإرجاع الكويت للكويت صفقات. وكلها صفقاتُ وكْسٍ أدّت إلى صفعات تتابعت منذ نهاية السبعينيات من القرن الغابر من كامب ديفد إلى أوسلو إلى مدريد إلى وادي عربة والحبل على الجرّار. بل، إنّني أقول وبكلّ تأكيد: إنّ كلّ الحركات الانتقاضية التي جرت في أطراف بلاد العرب، ولاسيّما في مصر وبلاد الشّام والجزيرة العربية والسّودان، قبل قرنٍ أو قرنين من الحرب العالمية الأولى، كانت إحدى هذه الحلقات الصفقات، سعياً للحتّ في أثْلة الخلافة وعملاً لتفكيك وحدة الأمّة وقصداً لتغذية روح الحركات الانفصالية عن جسم دولة الخلافة لإضعافها ومن بعدُ لإسقاطها وبالتّالي لذبحها.

 وفي كلّها لم تكن اليد الأجنبية بعيدةً عنها تحريكاً ودعماً، بل إنّ بعضها كانت فيها هذه اليد ظاهرةً وشاهرة، وذلك بقبول بعض أهل هذه البلاد أو زعمائها آنذاك بهذه الصفقات طمعاً في الأهواء الذاتية والتمرّد القبلي، وهو ممّا حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: (إذا جاءكم من يريد تفريق جماعتكم والانتقاض على إمامكم، فاقتلوه كائناً من كان)!! وإذا كان الوقوف على الأطلال أو ندب الماضي مما لا يروق لبعضهم، وأنا معه في هذا المعنى، لكنّني أستدرك في الوقت ذاته، فأقول: إنّنا نحن أبناء هذه الأمّة وأخصّ الواعين منهم يجب أن لا تنطلي علينا أبداً، تلك المفاهيم المشبوهة أو الأقوال الخادعة من أننا يجب أن لا نتحدث عن الماضي ولا عن التاريخ، وأن لا نفسر كلّ شيءٍ بنظرية المؤامرة، وأنا مع هذا التّوجه بشكلٍ عام، غير أنني أقول في الحين عينه كذلك، كما قال أحد الحكماء: إنّ مثل قومٍ نسوا تاريخهم مثل لقيط لا يعرف أصله أو فصله، وأنّ من لا تاريخ له ولا ماضٍ لا حاضر له ولا مستقبل، وأنّ إنكار المؤامرة هو في حدّ ذاته مؤامرة، بل مؤامرةٌ كبرى، لأنّ الماضي والحاضر والواقع يثبت وقوع المؤامرات في المحيط البشري .

 وهذا القرآن الكريم يؤكّد في كثيرٍ من آياته على وقوع المؤامرة، وأكتفي من ذلك بقوله سبحانه: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين). وأقول والشّواهد ماثلةٌ ومتوافرة لكل ذي بصرٍ أو بصيرة: أليس من المؤامرة أن يبعد الإسلام وهو سبب عزّة العرب خاصّة ومصدر قوّتهم عن سُدّة الحكم وساحة التّوجيه والتّربية والتعليم في بلاد العرب؟! أوليس من المؤامرة أن تحلّ الرابطة القومية فيها، وهي باعثةٌ على العنصرية والتشاحن محل الرابطة الإسلامية وهي رابطةٌ داعية للوحدة والتآلف؟! أوليس من المؤامرة أن يُضحي اليهود الذين يقول ربُّنا: إنّهم أشد النّاس عداوةً لنا، وهم في الذاكرة الإنسانية ألأم النّاس وأخبثهم. أجل، أليس من المؤامرة أن يضحوا في أذهان أبناء مجتمعنا أو هكذا يُراد، أصدقاءَ وأُلَفاءَ كراماً؟! أوليس من التآمر الشديد أن يصبح من يدافع عن بلده وقد احتُلَّ في محيطنا العربي والإسلامي إرهابياً يجب أن يطارد ويلاحق؟! أوليس من المؤامرة أن يعتبر الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام إرهاباً، وأنّ كل من ينادي بالالتزام بالدين قرآناً وسنّةً حتى في المناهج، يطلق عليه في بلادنا إرهابي أو (دواعش)؟! أوليس من التآمر أن يُرضى أن يحكم في بلادنا كلُّ نذلٍ وساقط وملحدٍ وعميلٍ ويدافع عنه في الإعلام وغير الإعلام، ولكن إذا حكم المسلم الملتزم الصادق فهو، رجعيٌ ظلامي إرهابيّ ضد أمّته وبلده، يجب أن يحارب ويسقط بكلّ وسيلة وبالتّعاون مع الأجنبي الكافر؟! أوليس أوليس؟! ومعلومٌ أنّ هذه المؤامرات وهي ثابةٌ وواقعة هي حلقاتٌ في سلسلة تلك الصفقات بشكلٍ أو بآخر!! واليوم يُتحدث عن صفقة القرن، وهي واقعة في بلادنا بصورةٍ أو بأخرى ومنذ زمان ويُقصد بها التهام اليهود لفلسطين واعتراف العالم أجمعه بمن فيهم العرب والمسلمون بذلك؟! ويجتمع الزّعماء العرب والمسلمون اليوم، هنا وهناك ولا يصدر عن اجتماعاتهم العتيدة في عواصمهم الفاخرة ما يشفي الغليل ولا ربعه أو ثمنه أو حتى لا شيء!! والطريق واضح في الانتصار وتحصيل الحقوق من أفواه السّباع ومن بين أشداق الأفاعي. إنّه الإعداد والاستعداد كما فعل أجدادنا العظام وأسلافنا الكرام. وهذا التّاريخ يشهد والقرآن يوجّه والواقع يؤكّد، كيف انتصرنا على الفرس والرّوم ومن بعدُ على الصليبيين والتّتار، أو حتى على الاستعمار في هذا العصر كما في الجزائر مثلاً.

 وهل كان ذلك بالاجتماعات الرسمية والمفاوضات العبثية، والاعتراف بالعدو والتآلف معه أم بحربه وضربه؟! أوَكان ذلك بالمؤتمرات المؤامرات والحفلات والفنادق أم بالجيوش المجحفلة والبنادق والخنادق؟! أوكان ذلك بالشباب المائع المتسكع أم بالشباب المقاتل المجاهد؟! أوكان ذلك بالاعتماد على عصبة الأمم وهيئتها ومجلس الأمن والشّرعية الدّولية وكلّها من صنع الصّهاينة والصّليبيين أم بالاعتماد على القرآن والمسجد والرّباط في سبيل الله؟! أوكان ذلك بجامعة دول عربية مهترئة صنعها الإنجليز على أعينهم لتكون جامعةً مفرّقة لا جامعة موحدة أم بجامعة إسلامية صحيحة وصادقة تجعل من جميع شعوب الأمّة صفاً متراصاً وكُلاًّ مترابطاً؟! أننتصر على اليهود ونسترجع المقدّسات والصادقون من أبناء هذه الأمّة المحبّون لشعوبهم وأوطانهم في السّجون والمعتقلات أو تحت أعواد المشانق وفي صحارى المهاجر والمنافي؟! إنّ حكّام هذه الأمّة ماداموا يكممون الأفواه ويعرضون عن تحكيم شرع الله فيهم، ويلغون فريضة الجهاد، فستمضى صفقة القرن، ولكن خابت مساعيهم ومساعي سادتهم من صهاينة وصليبيين. فهاهم أبناء فلسطين يقومون بما لم تقم به في بلاد العرب جيوشٌ ولا دول. فحيّاهم الله وبياهم وأخزى عدوّهم من أقرباء وأباعد، والله أكبر ولله الحمد.