بعد نكسة العام 67 نشطت خلايا الفدائيين في قطاع غزة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في ظل تجربة ثورية حديثة وإمكانيات عسكرية متواضعة مقارنة مع قدرات الاحتلال العسكرية التي هزمت العرب في حربي النكبة والنكسة.
إحدى الخلايا العسكرية التابعة لفصيل عسكري حديث النشأة تواصلت مع قيادة التنظيم في الخارج بهدف تطوير وسائل وقدرات العمل المسلح في الأراضي المحتلة، وعليه قررت قيادة التنظيم إرسال خبير عسكري لقطاع غزة بهدف تدريب المجموعات الفدائية.
تسلل تحت جنح الظلام زورق مطاطي ورسا على شاطئ دير البلح، ترجل الخبير العسكري الذي كانت في استقباله قيادة الخلية التنظيمية، وقبل أن يشرع في خطة التدريب ونقل خبراته العسكرية طلب من مرافقيه القيام بجولة في غزة ليدرس الطبيعة الجغرافية والطبوغرافية للقطاع
المهم بعد ساعة أخبر المرافقون الخبير أن الجولة التي امتدت من رفح حتى بيت حانون قد انتهت، وفي قمة الاستغراب تساءل العسكري: هل هذا قطاع غزة فقط؟!
أجابوا: نعم هذه كلها غزة؟
وعاد ليسأل وقد بلغ الاندهاش مبلغه: أين الجبال؟
قالوا: لا يوجد في غزة جبال
طيب أين الغابات؟
لا توجد غابات كل ما لدينا أرض منبسطة وبحر.
عندها قرر الخبير العسكري الاعتذار عن المهمة وقال لمرافقيه: أنا عسكري خبرتي مبنية على التجربة الفيتنامية، ولكي أدربكم على حرب العصابات أحتاج لغابات ومستنقعات وجبال.
وهكذا عاد خبير التجربة الفيتنامية في نفس الزورق المطاطي من حيث أتى.
الشاهد في هذه الحادثة، أن الخبراء والعسكريين يرون في غزة منطقة ساقطة عسكريا، لا تصلح لحرب العصابات ولا لحرب تقليدية، حيث أن قطاع غزة هو مجرد شريط ساحلي، مساحته ٣٦٠ كيلو مترا، ولا توجد فيه لا جبال، ولا غابات، ولا تسمح تضاريسه خوض مواجهات عسكرية.
ومع ذلك هذه البقعة تواجه أقوى كيان عسكري في الشرق الأوسط، وتقود المقاومة المسلحة والشعبية عبر تاريخها وحتى اليوم، وتواجه إلى جانب الاحتلال، حلف الأمريكان ومكر العربان، وكأن غزة الحزينة الإمبراطورية الأخيرة.