16.68°القدس
16.24°رام الله
15.53°الخليل
22.28°غزة
16.68° القدس
رام الله16.24°
الخليل15.53°
غزة22.28°
الجمعة 04 أكتوبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.2يورو
3.8دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.2
دولار أمريكي3.8

النموذج التركي جاذب ومُلهم؟

بسام ناصر
بسام ناصر
بسام ناصر

كان يوم الأحد الماضي يوما مشهودا في تركيا، وكانت الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية المبكرة موضع اهتمام وتشوف كبيرين في كثير من الدول العربية والإسلامية والغربية، بين من يدعو لأردوغان وحزبه بالفوز والنجاح في تلك الانتخابات، وبين من يتمنى خسارته فيها، وانكسار نموذجه الذي أقلقهم -فيما يظهر- وأزعجهم كثيرا.

أردوغان زعيم تركي فذ، عظيم في عيون قطاعات واسعة من الشعب التركي، وهو كذلك في عيون قطاعات واسعة من الشعوب العربية والإسلامية، بنى نموذجا فريدا ومتميزا في الإعمار والإنجاز والحكم الرشيد، وحالفه النجاح والتوفيق في مسيرته السياسية منذ تولي حزبه السلطة سنة 2003، وها هي نجاحاته تتوالى لتدخل الفرحة والبهجة على قلوب محبيه ومريديه، ولتصدم شانئيه ومبغضيه.

أكثر ما يثير الانتباه في النموذج التركي ذلك الاهتمام الشعبي العربي الواسع بتركيا وأحداثها وانتخاباتها، ويكأن تلك الشعوب ترصد وتراقب حدثا خاصا بها، وتتشوف إلى معرفة نتائجه ومآلاته وكأنه حدث وطني تعيشه في أوطانها، وهو ما يعبر تماما عن تلك الرغبة الجامحة في رؤية نموذج حكم راشد، وهو ما رأته ووجدته في النموذج الأردوغاني الذي أوفى بوعوده، ولم تحمله نجاحاته المتتالية على الزهو الفارغ، بل زادته تواضعا والتصاقا واشتغالا بهموم شعبه، وخدمة أبناء وطنه بمحبة وإخلاص.

من حق الشعوب العربية التي لم ترَ طوال عقودها المعاصرة نموذجا راشدا في الحكم، بل تجرعت مرارات الاستبداد السياسي في بلادها، وأرهقتها فواتير الفاسدين الذين نهبوا ثروات البلاد، وأثقلوا حساباتها بمديونيات عالية، أن تتطلع لرؤية ذلك النموذج الذي يعمل فيه رجال الحكم بجد وتفانٍ لخدمة شعوبهم، من غير أن يجعلوا الأوطان مزارع خاصة بهم وبعائلاتهم، يتصرفون في ثرواتها ومقدراتها كما يحلو لهم، بلا رقيب ولا حسيب.

ليس أبلغ في الإقناع والتأثير من النموذج الحي المتحرك أمام أعين الناس، إذ لا حاجة لاستدعاء نماذج وأمثلة غابرة من التاريخ القديم أو الحديث، فها هي التجربة تبنى مرحلة مرحلة أمام أعينهم، وها هم يشاهدون رجالات البناء يتحركون بينهم، ويتابعون أداءهم، ويرقبون إنجازهم، وفي كل محطة يثبتون أنهم خدم مخلصون لهم، يتفانون في خدمتهم، ويسهرون على راحتهم، ولا يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح شعوبهم وأوطانهم.

حينما يقارن المواطن العربي (المسحوق) بين نموذج الحكم في بلاده، وبين نموذج الحكم (الأردوغاني) فإنه يتحسر ويتألم على نتيجة المقارنة، وتحمله تلك المقارنة على أن يغبط الشعب التركي على ذلك الزعيم الفذ، ويتمنى من صميم قلبه أن تحظى بلاده بمثل تلك الزعامة، التي على كل ما قيل في انتقاد سياساتها ومواقفها، تبقى زعامة وطنية صادقة في انتمائها، مخلصة في العمل لوطنها وشعبها، مفتخرة بتاريخها وإرث أمتها الحضاري، وهو ما أكسبها حب الجماهير والالتفاف حولها.

ومما يجعل المواطن العربي يزداد حنقا على كثير من أنظمة بلاده الحاكمة، إظهارها العداوة لذلك النموذج الناجح، بل استهدافها له والعمل على تقويضه وإجهاضه، ورصد الأموال الطائلة لمهاجمته وتشويه صورته، شأنهم شأن أعداء النجاح والناجحين دائما، وإلا فما الذي يمنعهم أن يكونوا مثل أردوغان لشعوبهم حتى تحبهم وتقف خلفهم بمحبة وقناعة وإخلاص؟.

ليت تلك الأنظمة تتأثر بتلك النجاحات الباهرة، وتصاب بعدواها الحميدة، لتوظف ملياراتها في مشاريع البناء والتنمية، وخدمة شعوبها وأبناء أمتها، بدل توظيفها في الخراب والدمار وتقويض تجارب الآخرين الناجحة أو التي تطمح للتحرر وبناء الذات من جديد، بعد أن عافت تلك النماذج البائسة والفاسدة في الحكم وإدارة البلاد، فتتشوف وتطمح إلى أن تعيش تجربة البناء والنجاح تماما كما يصنعها أردوغان ورجالاته.