حين تبتسم غزة نظلمها بين السطور، حينها نكتشف أنها أحزن المدن ونتساءل ما المحزن، لأنَّ الحياة بها قد فاقت حدّ الموت، أطفالها كبروا حدَّ اللحد، حتى نارها أصبحت تساوي جهنم وأكثر.
حين تبكي غزة تنام جميع المدن دون سماعها، يصحو الموت دون استئذان ليحصد أرقامًا إضافيةً فاقت المعادلات الحسابية، حين نُسأل عن غزة، نجعلها سيمفونية عالمية وهي لا تجيد العزف إلا على أوتار صمودها وعزتها.
غزة.. لا وجه شبه يُقال فيها، هي غزة فقط افهمها كما شئت ولكن لا تأخذ اللون الأسود بعين الاعتبار خذ الدموع، خذ الشهداء، خذ المقابر، خذ الصور، خذ الأحداث، خذ ما شئت وكيفما تريد، ولكن لا تأخذ الدمار والحصار والضيق الذي يعيشه سكانها، فإن المدينة ما زالت تتنفس وتنبض عزة في كل أرجائها.
الكثير ظنّ أن تكون غزة باهتة المنظر وفاقدة الشعور بالحياة، لكن من يبحث عنها جيدًا يجد غزة عامرة بشهيق الطيور وزفير النهار، لا مكان لكَ أيها الليل سوى على الطًرقات الضالة هذه المدينة طفلةٌ صغيرة خلقها الله لكن ليست مثلنا في داخل جسمها لا قلبٌ واحد ولا اثنان بل ملايين القلوب في داخل جسمها ملايين الأرواح
كلما مات قلب ينهض قلبٌ آخر كلما صعدت روح يبث الله روحٌ ثانية لتحيا من جديد.
قلوب الشهداء فتنت الأرض بجمالها للحد الذي جعلت تلكَ الأرض عاجزةً عن حملها فخبّأتها بداخلها، هي في المقابر ما زالت تنبض، تتسابق فيما بينها من يعطي المدينة الطفلة الحياة من جديد، ها أنا على قيدها الأن عندما أموت سيدفنون جثتِ وقلبي سيعطونها إياه، فمنها يمر طريق القدس على ركام أبنية وتاريخ شعب مهجر من أرضه.
أصبحت غزة بقعة الضوء في الزمن الموحش، يترعرع أطفالها وسط الحرمان والقهر، تمضي وعلى جفون نسائها كحل بالصبر، فــسلامًا على رجالها مِلحُ الأرض، السلام على غزة التي تركها الناس ولم تترك إيمانها؛ تشبه السجن وليست بسجن، السلام عليها تجوع وحدها وتقاتل وحدها والمجد لها وحدها.
ومن يمشي معنا إليكِ يا غزة؛ ليُهدهد مصابًا قد اصابكِ على عجل.