تحتدم مواجهة فلسطينية -(إسرائيلية) مثيرة على تخوم قطاع غزة براً وبحراً تتركز حول الأسوار والاختراقات في معركة غير متكافئة تعيد استحضار التاريخ وترسم معالم المستقبل.
يفتخر جيش الاحتلال بتدشين جدارٍ إسمنتيٍّ أرضي على طول 65 كيلو مترا وبعمق عشرات الأمتار، مزود بأجهزة استشعار تلتقط كل أعمال الحفر في المنطقة، بهدف القضاء على تهديد الأنفاق بالإضافة إلى حواجز مائية ذكية ضد الغواصات.
أمام كل هذه الأسوار يطلق شبان مسيرات العودة الكاوشوك الطائر، كما حدث شرق رفح من خلال تحميل إطار مطاطي مشتعل على طائرة ورقية لاستهداف منصة اتصالات لجيش الاحتلال، وهو تنوع في وسائل المقاومة الشعبية امتداداً للبالونات والـ"كندومات" الطائرة الحارقة.
المقارنة هنا تبدو غاية في الهزلية والسخرية، والمفارقة الغريبة أنه لا يوجد اليوم دولة في العالم تقيم كهذا الجدار وتستقبل الزوار من كل دول العالم ليشاهدوا الابداع الهندسي النادر لجدارٍ بعرض عشرات السنتمترات تظهر منه أجزاء قليلة على سطح الأرض وتخرج منه أنابيب بلاستيكية تحوله من حائط إسمنتي غبي لجدار ذكي، مقابل أسلحة بدائية قديمة تم إحياؤها فلسطينياً لاختراق منظومة الأمن الأقوى في العالم.
العقلية الصهيونية والفكر التوراتي خاض صراعاً مع الجدران كما يظهر في القصة التناخية لأسوار أريحا مع أتباع يشوع في روايات العهد القديم بغض النظر عن الحقيقة أو التحريف، حيث حاصر بنو إسرائيل أريحا التي يقطنها الكنعانيون ستة أشهر بسبب مناعة أسوارها، وبعد تنفيذ يشوع هجوما يعتمد على المعجزات سقطت أسوار أريحا بعد الدوران حول المدينة سبع مرات والنفخ في الأبواق في اليوم السابع، ثم أمر يشوع بقتل كل من في المدينة وإحراقها مع المحافظة على الفضة والذهب والنحاس والحديد، لجعلها في خزانة خيمة يهوه." حسب الرواية التوراتية.
في غزة يواصلون النفخ في البالونات وإطلاقها خلف الجدران، والدوران حول السياج الفاصل لفتح ثغرات، بينما المقاتلون مستمرون في الحفر تحت الأرض للاختراق مجدداً، وإذا كان ثمة إبداع هندسي في الجدار الاحتلالي ليتحول مزاراً لقادة الجيوش، فلدى الفلسطينيين إبداعات ظاهرة وخفية تستحق أن تسجل براءات اختراع للمقاومة الشعبية التي تغلبت على أسوار أبناء يشوع.