19.38°القدس
19.05°رام الله
17.75°الخليل
23.69°غزة
19.38° القدس
رام الله19.05°
الخليل17.75°
غزة23.69°
الجمعة 04 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.33دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.78دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.33
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.78

"الخان الأحمر" وكوخ العجوز الغائبة!!

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

    جاءَ في بعض كتب التزكية أنَّ عجوزاً في الزمن القديم كانَ لها كوخٌ بجانب قصر ملكٍ نائفٍ، فرأى الملكُ أنَّ هذا الكوخَ بشكلِهِ ووضعه في هذا المكان كأنّه ينتقِصُ من أُبَّهة قصره، ويعتدي على مساحته. وبدا له كالثؤلول في وجهِ الحسناء، فرأى أنْ يُزِيله من المكان ليبقى القصرُ محتفِظاً بعظمته، ومتفرِّداً برحابة ساحه، فأمرَ خَدَمَه أنْ يهدموهُ فهدموه. وكانت العجوزُ حينذاك غائبةً لبعض شأنها. فلمّا عادت ورأتْ كوخَها - وهو مأواها الوحيد - قد مُسِحَ من فوقِ الأرضِ كأنْ لم يكنْ، تملَّكَها الحزنُ والأسى، ولم يكنْ لها على هذا الملك الظالم أيّة قدرةٍ، وأدركتْ حينها أنْ لا ملجأ لها إلاّ إلى الله، فقالت بقلبها المنكسر: يا ربِّ، لقد كنتُ أنا غائبةً، عندما هُدِمَ كوخي، فهل كنتَ أنتَ غائباً؟! فما إنْ أنهتِ دعاءَها، حتى راحَ القصرُ المنيفُ يطيحُ طابقاً طابقاً، ويتناثرُ حجراً حجراً، هاوِياً على الأرض وعلى رؤوسِ ساكنيه،

كأنْ لم يكن!!

            أقولُ هذا، والكيانُ اليهوديُّ الغاصبُ منذ أشهرٍ يسوقُ قوّاته المُؤلَّلة على قرية (الخان الأحمر) ما بين القدس الشريف وطَفّ الغور القريب، مستنِداً إلى قرارٍ ظالمٍ من محكمته العليا يقضي بهدْم بيوت أهلها وبأيديهم، وإلاّ هَدَمَها جيشُه بكُلِّ عنفٍ واقتسار!! غيرَ أنَّ أهلَ هذه القرية - وهم لا يزيدون على مئتي شخصٍ، جاءَ بعضُهم مُهجَّراً إليها من منطقة النَّقَب بعدَ عامَيْ: 1948م أو 1953م. ومعظمهم من قبيلة (عرب الجهالين) - رفضوا الانصياعَ لأوامره، ووقفوا في وجهه رجالاً ونساءً سدّاً منيعاً، يأبَوْنَ تنفيذ الأوامر الجائرة والخروج من قريتهم التي أَلِفوا العيشَ على أرضها منذ عشرات السنين، وتناقَلَها أصحابها العرب عن آبائهم وأجدادهم منذ مئاتِها إنْ لم يكنْ آلافِها. وهي اليوم مكان رزقهم ومَراحُ أطفالهم وأخْبِيَةُ نسائهم ومسارِحُ مواشيهم وأنعامهم. وقد استصرخوا لنجدتهم إخوانَهم عربَ فلسطين في مختلف أنحائها، فلبَّى الكثيرون منهم نداءاتهم، كما لبّاها عددٌ من أبناء الأقطار الأجنبية أَتَوْا مؤازرين لهم

وداعمين.

            ولقد رتَّبَ أبناءُ القرية أنفسهم ومَنْ جاءَ لنصرتهم من إخوانهم وغيرهم للدفاعِ عن قريتهم في اعتصامهم هذا، بشكلٍ منظّمٍ ودقيق. فبعضهم يرصُدُ تحرّكاتِ العدوّ لحظةً بلحظةٍ وبعضهم يطلبُ من المناطق المجاوِرة التزويدَ بالفِراشِ الكافي لحاجة النوم، وبعضهم يأتي بالموادِّ الغذائية، في حين تقوم النساء على طَهْوِ الطعام وتزويد المعتصمين به في خيمة الاعتصام التي نُصِبَتْ هناك. وقد أثبتَ هؤلاء العرب الكرامُ من أهل القرية جُرأةً وتصميماً عظيمَيْن في الوقوف بوجْه الحملة الصهيونية الغاشمة وإصراراً عجيباً على رفض هدم منازلهم، والقبول بالخروج من قريتهم، ولو أبدلوهم بها أيَّ مكانٍ آخرَ. ومما يدلُّ على ذلك بقاؤُهم على هذا الموقف المُشرِّف حتى الساعة لأكثر من مئة يوم، مُقرِّرين أمام العالم كُلِّه بكُلِّ ثباتٍ وإيمانٍ، أنّهم يقومون بهذا الموقف واجباً دينيّاً، ومن ثَمَّ وطنياً دفاعاً عن إرث الأسلاف، وحِفاظاً على التاريخ والكرامة.

            وإنّني لأقول للسلطة الفلسطينية ولرجالِها ولزعماءِ العربِ الذينَ يتواطَؤُ الكثيرُ منهم مع اليهودِ في التضييق على إخوانهم من أبناء فلسطين في ديارِهم: أينَ نخوتُكُم اليعربية أيها القومُ، بل أينَ أُخوَّتكم الإسلامية وإخوانُكم في فلسطينَ يلقَوْنَ الأَمَرَّيْن من العدوِّ الصهيوني محاصرةً واغتيالاً وطرداً وتشريداً؟! أينَ واجبُ النصرةِ تُجاههم، ولماذا تتركونَ أبناء العمومةِ، ولاسيّما في هذا الخان يهتفون باسم مستشارة ألمانيا (ميركل) لتقفَ بجانب قضيَّتهم وهي تزورُ (إسرائيل)، بل لماذا تتركون ميركل هذه تنتصرُ للخان الأحمر وغيرِه، وأنتم ساكتونَ سامِدونَ خُرُسٌ، كأنّكم لستم من الإسلام أو العروبة في شيءٍ؟! واعلموا أنَّ الحرمةَ التي لا يُدافِع عنها رجالها بأنفسهم لا ينفعُها من بعدُ دِفاعُ الآخرينَ أيّاً كان نوعهم. فالنائحةُ كما قالوا ليست كالثكلى، أو كما قال المثل القديم: (ما حكَّ جلدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ). هذا مع الأحرار، أما مع العبيد فلا يُجدِي الاستصراخُ ولو أُحْرِقَتِ الحناجر، ولا ينفع الاستمثالُ ولو أتيتَ بألفِ مَثَلٍ ومَثَلٍ!!

            أيها القومُ، إنَّ اليهودَ لا تُفيد معهم المفاوضاتُ، وقد مَرَّ عليها بيننا وبينهم حتّى الآنَ أكثرُ من ربعِ قرنٍ، وما هي إلاّ خَضُّ ماءٍ، لا ثمرةَ فيها تُرْجَى ولا زُبدَة تُنْتَظر، إنّما هي زَبَدٌ وفُقاعات تذهبُ هدْراً وتطير سُدَىً، ولا تُخلِفُ إلاّ حَبَطاً وقُعاصاً!! إنَّ اليهودَ بعد كُلِّ تلكَ السنين وكُلِّ ذلك الكلام الكثير، يرفضونَ حتَّى حَلِّ الدولتين. وها هُم يُصرّون على أنْ تكون القدسُ موحَّدةً عاصمةَ دولتِهم الغاصِبة، بل زادوا اليومَ أنْ يُصادِق برلمانهم على قومية الدولةِ التي لا شأنَ لعربِ فلسطين بأمورها البتَّةَ، وإنّهم في اعتداءاتهم على قرية الخان الأحمر كما اعتدَوْا ولا يزالون يعتدون على قرية (العراقيب) في النقب، إنّما يريدون عزْل القدس عن باقي أخواتها الأُخَر وفصْل شمال فلسطين عن جنوبها، تحقيقاً لقرارهم اللئيم بالدولة اليهوديةِ. أَفلا عند هذه وبعدَها تقفونَ لحظةً لتقولوا لأنفُسِكم: كفى عبثاً ومهازِلَ، ولننفض أيديَنا من أيدي اليهود ومفاوضاتهم، فإنّهم (لا أيْمانَ لهم). وقد قالوا قديماً: (مَنْ جرَّبَ المُجرَّبَ، فعقلُه

مُخرَّبٌ)!!

وأقول أخيراً: إنّه لا العربُ ولا المسلمونَ ولا أبناءُ فلسطينَ بوضع تلك العجوز التي لا تملكُ قوّةً ذاتيةً لِتَرُدَّ عدوان الملك عليها، فدَعَتْ عليه، فأتَتِ الاستجابةُ من لدنه سبحانه سريعاً، زلزلتْ سلطانَه وثلَّت عرشَه!! نعم لسنا بوضعها، فما زالَ عندنا والحمد لله من القوى المادية والمعنوية ما يُقلقل الجبالَ ويُطيح بالرواسي ويكنِسُ الأعداءَ، غير أنَّه ضعف الإيمان عندنا وانعدام الإرادة وخاصّةً مِمَّنْ بيدهم المقاليد. ومع كُلِّ ذلك، أفلا يخشى حُكّام اليهود المجرمونَ وهم يستطيلون بقواتهم المجحفلة على مجموعاتٍ من البدو أهلِ إبلٍ وشاء يسكنون في خيامهم البسيطة أو دورِ مَدرهم الطينية، فيقرِّرون تخريب مساكنهم حتى يُفتَح الطريق أمامَهم ليسطيروا على المنطقة بأكملها، أَوَلا يخشى كذلك حكامُ العربُ المتخاذلون الذين يجبنون عن نصرة إخوانهم، إنْ لم يكونوا يتآمرونَ عليهم. أجل، ألاَ يخشى هؤلاء وهؤلاء أنْ تُصيبَهم دعواتُ المظلومين من أبناء فلسطين، ولاسيّما الأطفال والأرامل والثكالى والعَجَزَة، ومنهم أهلُ الخان وهم يُجبَرون على هدمِ منازلهم وطردهم منها، من دعواتٍ تسري تحتَ جُنْحِ الليل فتزلزلَ عروشَ الجميع من يهودٍ وعرب وتُتَبِّرَ ما علوا تتبيراً؟! ولمّا لَمْ يكنْ في الدعاءِ على الظالمين أيُّ مأخذٍ أو غضاضةٍ، بل هو مطلوبٌ ومندوبٌ، فإنّنا ندعو مع أهل الخان الأحمر وكُلِّ أهل فلسطين على الظلمة من عربٍ ويهود دعاءَ المقهورين كتلك العجوز، وبدعائه صلى الله عليه وسلم بالذات، على أعدائه أعداء الله والناسِ والعروبةِ والإسلام: (اللهمَّ أحصِهِمْ عدداً، واقتُلْهم بِدَداً، ولا تُغادِرْ منهم أَحَداً) اللهمَّ نصركَ الذي

وَعَدْتَنا.

أمّا أنا وفي الختام، فأُرسِلُها من هنا من شرقِّي الأردن من مدينة إربد، زِينةِ مدن سهل حَوْران الفيّاح، لإخواني في قرية (الخان الأحمر) تحيةَ إكبارٍ وإعزازٍ، وتأييدٍ ومؤازرة لموقفهم البطولي رجالاً ونسواناً وشيباً وشُبّاناً ولكُلِّ مؤازِرٍ لهم من الداخل والخارج عربيّاً أو أعجميّاً، بهذه الأبيات التي قلتُها فيهم لتكونَ شارةَ نُصرةٍ مني لهم بجُهْدِ المُقِلِّ على صمودهم الرائِعِ ومدافعتهم الباسلة عن إرث

الآباءٍ والأجدادٍ:

الخانُ الأَحْمَرُ دِيرَتُنا

وعَنِ الأجدادِ وَرِثْناهُ

وحَكى الآباءُ لَنا عَنْهُمْ

مَجْداً لا تُنْسَى ذِكْراهُ

قَدْ عِشْنا فِيهِ أداهِيراً

نَتَعَشَّقُ طِيبَ مزاياهُ

وبِهِ قَدْ شِدْنا أَخْبِيَةً

سِيماها العِزَّةُ والجاهُ

وحَفَرْنا ثَمَّةَ آباراً

طُوِيَتْ بالجُهْدِ بذْلناهُ

نَسْقِي من أمواهٍ فِيها

أهلاً و (حلالاً) نَقْناهُ

ونَكُفُّ بِها عن أنفُسِنا

ظَمَأً في القَيْظِ بَلَوْناهُ

وَزَرْعنا فيهِ محاصِيلاً

أَبّاً وحُبوباً تَمْلاهُ

كَيْ نُطْعِمَ منهُ (عِجْياناً)

وشلايا سَرْحٍ نَرْعاهُ

الخانُ الأحمرُ بَيْضَتُنا

وسَنَدْفَعُ عنهُ أعداهُ

من هودٍ قُطْعانِ وحوشٍ

شعبٌ غَدّارٌ تَيَّاهُ

جاؤوا إمداداتٍ تَتْرَى

للبَغْيِ السافِرِ إيّاهُ

بالهَدْمِ لِكُلِّ منازِلِنا

والطَّرْدِ لخارِجِ مَرْباهُ

خَسِئَ المُحتَلُّ وما يَبْغِي

والذُّلُّ لكُلِّ سَراياهُ

الخانُ الأحمرُ مَوْطِنُنا

أَبداً لنْ نقبلَ إلاّهُ

وَطَنُ الأسلافِ بِهِ نَحْيا

وبِهِ نَقْضِي لَنْ نُبْزاهُ

وبهِ وَطَّنَّا أنْفُسَنا

أنْ نَصْبِرَ حتَّى نَلْقاهُ

اللهَ الغالِبَ ناصِرَنا

فافعلْ ما شئتَ نِتِنْياهُو

أنتمْ غرباءٌ شُذّاذٌ

ولفأرِ الحَقْلَةِ أشباهُ

ولقدْ أقْسَمْنا أنْ نَبْقَى

أو نَقْضِيَ والمولَى اللهُ