سيصنع المشير محمد حسين طنطاوي تاريخا جديدا غير مسبوق لو فعلها وذهب إلى محكمة مبارك للشهادة في قضية قتل المتظاهرين استجابة لطلب المحامي فريد الديب في مرافعته يوم 3 أغسطس الماضي أمام المستشار أحمد رفعت. لقد كان ظهور مبارك ونجلاه في قفص الاتهام تاريخا فريدا شهده العالم مبهورا بما يجري في مصر وبما فعله المجلس العسكري الذي تعهد منذ اليوم الأولى لتوليه إدارة البلاد بنقلها إلى دولة العدل والقانون والحريات والديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته في أقصر وقت. أما التاريخ الجديد الذي سيتحقق بمثول المشير أمام قاضي التحقيق فلا يقدر بثمن. في حدود معلوماتي لم تفعلها أمة أخرى، لتصير مصر بذلك قدوة يقتدى بها، وقد رأينا شعبها يبتكر أيام الثورة والفلتان الأمني فكرة اللجان الشعبية التي أمنت البلاد والعباد، فإذا بأكبر امبراطوريات الديمقراطية في العالم وهي بريطانيا تفعل المثل أثناء اضطراباتها الأمنية الأخيرة. لن ينتقص من المشير طنطاوي أن يذهب ويقف أمام القاضي ويجيب على أسئلة فريق الدفاع عن مبارك، بل سيزيده ابهارا وسيترك له بصمة لا تمحى في تاريخ مصر، تضاف إلى بصمته وبصمة زملائه في المجلس العسكري الذين أداروا أمور الدولة حتى الآن بحكمة وكياسة وبعد سياسي وصبر ليس أبدا من سمات العسكر في أي مكان من العالم. يتردد أن هناك اشكاليات قد تعوق كتابة هذا التاريخ، مثل أنه رجل عسكري ولا يمكن أن يستدعى لمحكمة مدنية، وأن الجهة المنوط بها ذلك هو القضاء العسكري، بحيث يشهد أمامه في جلسة سرية للغاية ولا يجوز الكشف عن شهادته. قد يكون هذا من صلب قانون المؤسسة العسكرية، لكن إرادة المشير والمجلس العسكري وحدها التي يمكن أن توجد المخرج، فالقضاء العسكري يمكنه أن يصرح له بالشهادة أمام محكمة جنايات القاهرة، وهو بالطبع لن يخوض في الأمور التي تتعلق بالأسرار العليا المرتبطة بالأمن القومي والقوات المسلحة. كما أن المشير سيشهد بوصفه رئيسا للمجلس الحاكم، أي من موقعه السياسي وليس العسكري. بعض التقارير تتوقع أن يحسم المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة هذا الموضوع في جلسة محاكمة اليوم بعد مناقشته للمحامين وأسباب طلبهم شهادة المشير، وأنه في حالة اقتناعه سيرفع الطلب للقضاء العسكري، لكني أتمنى أن لا ينتظر المجلس العسكري ذلك، وأن يطلب بنفسه الشهادة في أحداث خاضها الوطن الذي يحافظ هذا المجلس على أمنه القومي. فلا أمن قومي ولا أسرار فوق قتل شعب تظاهر سلميا مطالبا بحقوقه في الحرية وقمع الفساد والعيش في أمن وأمان.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.