لست أبالغ حين أقول أنّ ليبرمان ندم على يوم تفكيره بدخول حكومة نتنياهو وزيراً للجيش، حيث تقلّد افيجدور ليبرمان وزارة الجيش في مايو من العام 2016، مكان وزير جيش من المؤسسة العسكرية، موشيه يعالون، تذكرني في هذه اللحظات التحليلات التي أشارت الى أن نتنياهو ضرب عصفورين بحجر واحد، فقد تخلّص من وزير جيش يهدد سيطرته على الليكود، وأدخل ليبرمان لمؤسسة ستجعل منه قزماً، وتحفر له قبراً سياسياً، بعد سيل النقد الذي كان يوجهه للحكومة بسبب سياستها ضد غزة.
ليبرمان صاحب شعار «48 ساعة وهنية سيكون تحت التراب»، ذهب وبقي هنية حيّاً يُرزق، يقود حركة حماس في الخارج والداخل، ليس هذا فحسب، ليبرمان لم يستطع أن يقدم خلال العامين والنصف من ولايته لوزارة الجيش خطة استراتيجية للتعامل مع غزة، ولم يُحسن إدارة الوزارة داخلياً، حيث بدا الجيش أكثر ارتباطاً وتعلّقاً برئيس وزراء دولة الاحتلال، من منطلق عدم تقبله التعامل مع شخصية عديمة الخبرة أمنياً.
وليس صحيحاً القول أنّ ليبرمان لم يُمنح الفرصة من أجل تطبيق سياساته في غزة، لكنّه اصطدم بواقعٍ صعب، حيث من الناحية الأولى، تفتقد الحكومة وبما في ذلك وزارة الجيش استراتيجية واضحة للتعامل مع غزة، ومن ناحية أخرى كان الخوف من الفشل، هو سيد الموقف حين التفكير بالذهاب بعيداً في غزة، وما تجربة خانيونس الأخيرة، إلّا نموذج مصغر عن احتمالية ما سيكون، لو فكرت «إسرائيل» بدخول غزة.
حتى إنّ ليبرمان وفي مؤتمره الأخير، لم يُشر إلى أنّه يُطالب بحرب برية ضد غزة، أو أي حرب مفتوحة، لكنّه أشار إلى ضرورة حفظ الردع لـ»إسرائيل»! لكن ما طريقة ذلك سيد ليبرمان؟ هو ذات السؤال الذي لم يجد له ليبرمان إجابات طوال ولايته، وعاد كما وصفه البعض إلى هوايته في الحراسة، فبدل حراسة الحانات، هذه المرة ظهر كحارسٍ للمعابر، من خلال عشرات أوامر إغلاقها وفتحها وفق تطورات الواقع الأمني.
ليبرمان الذي دفعته غزة للاستقالة، وأعجزته عن اتخاذ خطوات عملية ليس فحسب للحد من خطورتها، ولكن لمنع تطوير مقاومتها، شعر بأنّه قد غرق في مسبحٍ لم يعتد السباحة فيه، فمياه غزة ليست كمياه الدول التي زارها خلال كونه وزيراً للخارجية سابقاً، بل هو ماء يحرق من يريد تلويثه، ويروي من أراد له الخير، واحترم تقاليده التي اعتادت الرفعة وحفظ الشرف والكرامة.
لكن وزير الجيش المستقيل فهم اللعبة وإن كان متأخراً، فهم أن حفظ ما تبقى من ماءٍ للوجه إن كان، يكمن في مغادرة منصبه، وإعلان أنّ عباءة هذا المنصب أكبر منه، وباعتقادي باتت أكبر من أن يلبسها غيره، إن تعلّق الأمر بغزة والمقاومة، ففضل خلع العباءة والذهاب لمكانه الطبيعي في التهديد عن بعد، ومن يدري علّه يعود ويُطالب في المستقبل، سلموني الوزارة وسأغتال هنية بعد 48 ساعة.
خروج ليبرمان بهذه الطريقة ما من شكٍ أنّه خروج الضعيف المهزوم، لكنّه على الأقل خروج المعترف بالفشل، في ظل حكومة لا زالت تُكابر بأنّها لم تفشل، ولعلّ اقراره هذا قد يُساعده في البقاء في الكنيست في الانتخابات القادمة، حيث اعطته استطلاعات الرأي سبعة مقاعد، وهو الذي خلال ولايته وزيراً للحرب لم يجتز نسبة الحسم في بعضها.
ويُذكر هنا أنّ ليبرمان كان قد استقال في العام 2008، وقبل نهاية ولاية الحكومة بأشهر احتجاجاً على إدارة أولمرت مفاوضات مع الفلسطينيين، وفي العام 2014 استقال من منصبه في الحكومة احتجاجاً على سلوك حكومة نتنياهو مع غزة، وأيضاً كانت الاستقالة قبل الانتخابات بأشهر، رغم أنّه عاد وانضم للحكومة الأخيرة وإن كان بعد عام من تشكلها.
وهُنا يُمكن طرح فرضية أنّ أفيجدور ليبرمان، يُفضل خوض الانتخابات من خلال كونه في المعارضة وليس في الحكومة، خاصة أنّ الرجل الذي يُعتبر ممثلاً لليهود الروس وليهود شرق أوروبا سيواجه في الانتخابات القادمة، حزباً جديداً أسسته ابكسيس المنشقة عن ليبرمان قبل عامين من الآن، وليس من الغريب أنّها تنال ثقة تجاوزت فيها ليبرمان في بعض الأحيان، وهددت احتمالية بقاءه في الانتخابات القادمة، ففضل الخروج علّه أيضاً يعود من بعيد.
ختاماً، عاد ليبرمان ليلعب عن بعد، فقد لقنته غزة درساً قاسياً، وأخرجته من منصبه خالي الوفاض، ليس فحسب من خلال الفشل الأخير، بل طيلة فترة مكوثه وزيراً للجيش، سيعود ليبرمان بعد أيام للجعجعة من بعيد، وهو الذي لم يُر منه طحيناً خلال ولايته، وسيرافقه الدرس طوال عمره السياسي، بأنّ الواقع الموجود ليس كالمرغوب، ولربما عليه شكر غزة، التي ذكرته بأنّ اللعب عن بعد أجدى وأنفع.