في صباح يوم ماطر من صباحات الشتاء الباردة، يخرج الطفل "إبراهيم" الذي لم يتعدَ عمره حدود الأربعة عشر ربيعًا إلى عمله اليومي ليجمع قوت عائلته.
ليس صباحا عاديا ذلك الذي يشرق على بيت هذا الطفل، الذي ينبغي أن يقف في مثل هذا الوقت في طابور الصباح في مدرسته ومع زملائه الطلاب، لينهل من العلم ويحقق أحلامه المستقبلية كأي فتى في عمره.
حداثة سن "إبراهيم" لم تمنعه من امتهان عمل صعب وشاق في جمع العبوات البلاستيكية والزجاجات الفارغة وما شابه، ليبيعها لصاحب عربة "توكتوك" يمر كل يوم من أمام منزله، ليكسب بعض النقود التي تعينه على تجاوز مصاعب الحياة.
"إبراهيم أبو فياض" صاحب البسمة النبيلة والظل الخفيف، يأبى إلا أن يزرع المرح والضحكات على المارة في الطريق، فلا ثيابه الرثة ولا قدميه الحافيتين ولا جسده الهزيل النحيل يقف حائلا أمام إصراره على مواصلة الحياة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
يقول "إبراهيم" لـ"فلسطين الآن" بلهجته البدوية البسيطة: "تركت المدرسة من الصف الثاني، واشتغلت بجمع البلاستيك علشان أعيش أنا وأهلي".
ويضيف "كان نفسي أصير زي باقي الأولاد، أتعلم وأوصل الجامعة وأتخرج ولكن وضعي يختلف عن الباقين، فلقمة العيش صعبة".
وأشار إلى أنه لا يشعر بأي نقص في نفسه، بل بالعكس فإنه يتعايش مع أوضاعه الحالية بضمير مرتاح، ونفسية هادئة، منوها إلى أن أقصى أمانيه أن يوفر لنفسه وللعائلة قوت اليوم.
ولفت "إبراهيم" إلى أنه ليس الوحيد الذي يعمل في هذه المهنة، بل يشاركه اثنين من إخوانه، حيث لكل واحد منهم منطقته الخاصة به.
ما يثير الشفقة في قصة "إبراهيم" أنه يمارس عمله بقدمين حافيتين، ويتنقل بين الحفر ومياه الأمطار في الشوارع بسعادة منقطعة النظير، بل ويرفض أن يمنحه أحد من المارة أي حذاء يقي قدميه الخشنة برد الشتاء القارص.
ويبقى هذا الطفل الصغير، الذي يحمل بين جنباته قلبا كبيرا يفكر كيف يوفر لعائلته وله الحياة الكريمة رغم الصعاب والشح وقلة ذات اليد.