تكبيرات تعم المكان، ووجوه مستبشرة، لربها شاكرة، وكفوف تصفق، فرحة بخروج بطل من أبطال فلسطين من سجنه، لكن البطل عاد هذه المرة يكتب الأمل لمن تركهم خلفه من الأسرى، إنه الأسير المحرر بلال نبيل سعيد ذياب، والمولود بتاريخ 4-2-1985 . اعتقله الاحتلال لأول مرة في مقتبل عمره حينما كان في عامه 18، ليمكث في السجن 80 شهرا بتهمة النشاط في حركة الجهاد الإسلامي، وتنقل أثناءها بين العديد من السجون الصهيونية، وأحسن الله به فأخرجه من السجن، ليعاد اعتقاله بعد عام فقط من الإفراج عنه، فكان الاعتقال الأخير له في 16-8-2011، فيمزق الاعتقال الإداري صمت بلال الذي خرج منتصرا في 9-8-2012، وقد انتظر أحبابه شوقا لرؤية الحبيب فأسر الأرواح والقلوب بعد أن انتصر على سجانيه في تحقيق مطالبه بالإفراج عنه وتحسين ظروف اعتقاله، فإضرابه الذي استمر 78 يوما أشعل القلوب وزاد الإصرار لديه، إما النصر وإما الشهادة وفي كل خير، فلرب سجن قاد نصرا. [title]روح واحدة .. وان تعددت الأجساد [/title] عيون تبكي لحال الشيخ خضر عدنان، فإما قائدا يرسم معالم الحرية، وإما شهيدا ترقبه الحور العين، يا الهي أتراني أبكي لحال الشيخ، لا والله فلدي اخ صادق كثائر حلاحلة قررت وإياه أن نتضامن مع الشيخ خضر، وبفضل الله استمر إضرابنا اثني عشر يوما انتهت بانتصار شيخنا. وفي اليوم السابع من إضرابنا جاء ظل الخراب بصوته البشع: بلال ذياب، ثائر حلاحلة، تمديد إداري جديد ،فقررنا الإضراب بعد أيام معدودة كي ننتصر لكل معتقلي الإداري وان نجعل من أجسادنا وأمعائنا جسرا لنيل الحرية المأسورة، فأقسمنا أمام أحد الأسرى المتواجدين على الإضراب وعدم التراجع حتى نحقق ما نريد أو يكتب الله لنا حياة أخرى في جوار النبيين . جهزت نفسي وثائر بعد 12 يوما من فك إضرابنا التضامني مع الشيخ خضر، لنكون مستعدين معنويا وجسديا ، فأجسادنا وهبنا الله إياها سنخدم بها أكثر من 350 معتقلا إداريا ، سنجعلها سلاحا يدافع عن إنسانية الإنسان . [title]ثبات من اجل النصر[/title] في غرفتنا في سجن النقب أعلنا الإضراب، ولم نتناول سوى الماء والسوائل، يحدثني ثائر عن النصر وعن جدوى الإضراب وإنا ازداد همة، فأحدثه عن أجر الشهيد، ولكم تمنينا أن نكون شهداء مقبلين غير مدبرين، منتصرين غير خائبين، إنها الكرامة يا ثائر، وإنها عزيمة الرجال ألم تر عزيمة الشيخ خضر في يومه 66 فخرج منتصرا عزيزا . وبعيون حائرة تشع نورا قال لي ثائر: ولكن هناك شيء يقلقني يا أخي، فإنني اخشي أن نتراجع، فقلت له : لا تخف يا ثائر إن الله معنا ولن يضيعنا، فتزداد ثقتنا بربنا أكثر وأكثر . وفي أيامنا الأولى نردد دوما كلمات الانتصار ذخيرة لأرواحنا وقت ضعف أجسادنا وهزلها، ومما زادني إصرارا وأخي ثائر تصريحات جهاز المخابرات الإسرائيلية – الشاباك، أنهم لن يسمحوا بتكرار تجربة خضر عدنان، فازدادت عزيمتنا وإصرارنا، فخضر عدنان قد أربك دولة الكيان الصهيوني وهو نصر بحد ذاته، فقررنا فرض واقع جديد مختلف يحقق انجازاً للأسرى، وكنا ندرك تماما بأن تراجعنا ولو للحظة هزيمة واحدة سيؤثر سلبيا على الحركة الأسيرة، فتزداد همتنا وعزيمتنا لتحقيق النصر بإذن الله، لأنه انتصار لشعبنا وأسرانا وليس انتصارا فرديا لنا، اللهم حقق لنا ما نريد . بعد اليوم الثالث بدأ الألم يغزو مفاصلنا، وبدأت أمعاؤنا تشكو وتتألم لكنها الروح تجبرها على الصمت، ومر أسبوع ويزداد الألم والصداع، كنت أرهق أحيانا فيذهب ثائر زاحفا على رجليه ينادي السجان يخبره بحالي، وأتناوب وثائر من اجل خدمة ومراقبة بعضنا البعض فتارة أستريح أنا وتارة يستريح ثائر . في يومه الثامن عشر هزل جسد ثائر و لم يحتمل الحركة وأغمي عليه ونقل لمستشفى سجن الرملة، ليتبعه جسدي فنقلت أنا أيضا في اليوم العشرين لذات المشفى، يا رب سلم أرواحنا عزيزة. [title]روح تتحدى السجان[/title] يتناوب ضباط الاحتلال من اجل هزيمتنا وإرهاق معنوياتنا لنترك الإضراب، ويكررون كلمات الإحباط فازداد تحدٍ وإصرار لأجل الهدف المرسوم الذي أقسمت عليه وثائر . قال لي احد الضباط الصهاينة مرة:أنت لن تنتصر وأنصحك بفك الإضراب، فابتسمت ابتسامة الواثقين بربهم السالكين نحو العلا : أتحسب نفسك قوي، فالله قوي وغالب على أمره وهو أقوى منك، وحده الذي نصر خضر عدنان سينصرني . وذات مرة هددني احد ضباطهم بالعقاب إن لم استجب لمطالبهم بفك الإضراب، فقلت له أنصحكم بالاستجابة لمطالبنا قبل فضحكم وهزيمتكم أمام العالم . [title]قوم عديمو الإنسانية [/title] كنا في المستشفى نرقد على أسرة العلاج المكبلة بقيود تخلو من الإنسانية، فيبعث إلينا الاحتلال بجنوده يأكلون ألذ أنواع الطعام يتحدثون بأصوات مزعجة يتناوبون على ذلك كي لا ننام ويعجلون بهزيمتنا، لكنها إرادة الله التي تخمد كل إرادة، فمن كان بعين الله لن يضل الطريق باتجاه البوصلة، هيهات لكم يا صهاينة أن تنالوا مني، يا جنود الشر لن أتناول الماء أيضا إن أردتم كسر إرادتي، وكنت كل مرة أريد أن أحقق شيء امتنع عن تناول الماء . ازدادت المعاناة وأصبحنا نشعر بالموت بسبب نقص الفيتامينات والسكر وانخفاض دقات القلب وكنت اشعر بضيق نفس، تلك علامات أوهنت الجسد لكنها علامات انتصار ساعدت في النصر بعد خشية الاحتلال من استشهادي وانفجار الأوضاع في الخارج . مكثت ثمانية أيام في متواصلة في مستشفى تسافا روفيه بعد مضي أكثر من ستين يوما في الإضراب، لتردي وضعي الصحي، لكنه مشفى فاقد لكل معاني الإنسانية منحازا بكل وضوح لمصلحة السجون، فامتنعت عن تناول الماء في اليوم 71 بعد أن أخبرت الضابط المسئول إما أن اخرج من هنا وإما أن امتنع عن الماء وحاول هزيمتي بكلماته، وأنا أدرك معاني كل كلمة يحاول الاحتلال هزيمتي فيها فقال لي : إن كنت تريد الانتحار فهو شأنك أنت لا يعنينا فحياتك وأنت حر بها، فقلت له:هي شهادة وليست انتحار، شهادة من اجل ديني، وكرامتي، وعزتي، وعزة شعبي وحريته . يا أيها الضابط المتفاني من بلدي : لقد حققت النصر الأول بصمودي وثباتي أمامكم في اليوم 71 برغم العذاب والتهديد، وان كل ممارسات التعذيب التي مارستموها هو نصر مبدئيي يدل على ضعفكم، وأما إن كتب الله لي الشهادة فهو إكرام من الله وأمنيتي منذ الصغر أن ألاقي الله شهيدا ،وان ألاقي الله عزيزا شامخا في المواجهة . وفي الساعة السابعة صباحا من نفس اليوم جاء نائب مدير المستشفى وقال لي يجب أن تشرب الماء وان وضعك لا يحتمل ويجب أن تأخذ أدوية للتغذية فرفضت إلى أن يتم إخراجي من المستشفى وصرخت في وجهه إنكم بريئون من الإنسانية، أين إنسانيتكم وكلابكم السجانين، تقيدونني في سرير المستشفى وأنا اعزل يداهمني الموت في كل لحظة، وامتنعت بعدها الحديث مع احد منهم حتى تتم الاستجابة لمطالبي . وفي عصر ذات اليوم جاءني مدير السجن ورفضت الحديث معه، وأقسمت أمامه أنني لن اشرب الماء ما بقيت في هذا المستشفى الذي يخلو من الإنسانية، أنا أريد الشهادة في داخل مستشفى سجن الرملة كي أسلط الأضواء اتجاه قضية الأسرى،وكل من يدعي الإنسانية فليأتي ويرى أسباب استشهادي ، وبالفعل تم نقلي لمستشفى سجن الرملة فتوشحت الروح نصرا عزيزا لانتظر ما قدره الله. في اليوم 76 أتاني عدد كبير من ضباط الشاباك ومصلحة السجون لمكان تواجدي في مستشفى سجن الرملة وقال لي كبيرهم ما تريد من إضرابك، فقلت له لا جديد سوى إفراجا قريبا أو شهادة تنعم بها روحي ، ورفضت مواصلة الحديث معه ،فرفع صوته يريد اهانتي، ورغم التعب والإرهاق استطعت أن أرد صارخا في وجهه : إن الله قد دبر الأمور كي تأتي أنت أمامي لأقرا في وجهك الهزيمة، وان تزداد روحي نصرا قريبا بإذن الله شئتم أم أبيتم . [title]طعام الشهداء[/title] حينما ترى الشهادة واقعا في حياتك، تصبح حياتك بين إخوانك الشهداء وبين إخوانك الأسرى ـ تتصل الأرواح تسرّي عن النفس، فلقد رأيت في اليوم ذاته وقت نومي مجموعة من إخواني الشهداء جلست معهم أحدثهم مسرورين بي أتناول طعامي معهم . استيقظت من نومي مسرورا بما رأيت، يا لهذه الدنيا وما فيها، بخ بخ على طعام زائل، فما عند الله خير وأبقى، وازداد التحدي في إكمال الإضراب . فكرت مليا بكتابة وصيتي لأهلي وشعبي بعد أن جاء لزيارتي احد المحامين، اكتب لهم رسالة روحي قربانا على مذبح الحرية ،إما النصر وإما الشهادة . وحينما تدرك أن الشهادة باتت قريبة لن يضر الجسد شيء بعد هلاكه، فقد أغمي علي في اليوم 77، لأنقل لمستشفى تسافا روفيه، وعلمت لاحقا انه أشيع خبر استشهادي في الخارج . حاولت مدير المستشفى أن أتناول علاجا لازما لجسدي وأنا ارفض، لدرجة أنني نزعت في احد المرات إبرة الجلكوز من يدي، وقررت عدم التجاوب معه حتى يسمح لي بالاتصال بأهلي أولا، وكان لي ما أردت . أعطوني علاجا لوقف النزيف الداخلي وعلاجا آخر للانخفاض الحاد في دقات القلب،وانخفاض السكر،وفيتامين من أجل وقف النزيف الداخلي . وقد أعطاني الاتصال دفعة قوية من النصر المتلاحق، ولكني اكتشفت بعدها أنهم يريدون طمأنة العائلة باني لا زلت على قيد الحياة . [title]وجاء البشير [/title] سألني الأستاذ جواد بولص المحامي الخاص بي في اليوم 78 عن معنوياتي مبتسما في وجههي،فقلت له واثقا مما أقول : والله إنني لاتنسم رائحة النصر،فقال لي: أتيت مبكرا لأخبرك بوجود جلسة بين لجنة الأسرى الممثلة لإضراب الكرامة الذي بدأ في شهر نيسان واستمر لـ 25 يوما، والوسيط المصري راعي الاتفاق وضباطا ينوبون عن الشاباك ومصلحة السجون مساء اليوم فلك الحمد ربي على النصر . في اليوم ذاته وصلت الرسالة الأولى عن طريق الصليب الأحمر من والدتي وأهلي، فقرأتها ارتوي الطمأنينة عن أم صابرة محتسبة على أسر أبنائها وإضرابهم ، فشقيقي عزام والذي يقضي حكما بالسجن المؤبد منذ 12 عاما قد أعلن الإضراب عن الطعام تضامنا معي، فلك الحمد ربي على حفظك والدتي بعدما كنت قلقا لحالها بعد دخولها المستشفى في وضع صحي حرج . وفي تمام الساعة السادسة مساء ابلغني الأسير محمود السرسك والمضرب معي في سجن الرملة أننا سوف ننتصر هذا اليوم وتنتهي معاناتنا إن شاء الله ،وبالفعل جاء احد الضباط بمرافقة عدد من السجانين الساعة السابعة مساء من ذات اليوم ، وطلب مني أن اذهب معه إلى لجنة الأسرى الممثلة للإضراب. دخلت إلى قاعة جيء فيها بالأسرى الإداريين الذين اضربوا معي عن الطعام من اجل إنهاء ملف الاعتقال الإداري وهم :محمود السرسك ،وعمر أبو شلال، وحسن الصفدي ،وثائر حلاحلة ،وجعفر عز الدين . بعد لحظات دخل ممثلو لجنة الأسرى وهم : جمعة التايه، وجمال الهور، وبسام السعدي ،والمحامي جواد بولس وكانت تلك اللحظات صعبة جدا وسط دموع وعناق . تحدثت لنا اللجنة عن تفاصيل الاتفاق الذي تم في سجن عسقلان وتحدثنا عن المعاناة التي خضناها معا، وتحدثت انأ وإخواني المضربين عن أرائنا بخصوص الاتفاق فطلبت من الضباط الخروج من الغرفة لكي نتحدث مع اللجنة فرفض كبير الضباط الخروج، فقلت له هذا شيء داخلي ولا علاقة لك بنا فخرج جميع الضباط، واستمر الحوار للساعة الثانية ليلا ،وكنا نطالب بالإفراج الفوري عنا ولمسنا وجود وقفة قوية من أبناء شعبنا والعالم . ولمسنا أن الاحتلال يخشى تصاعد الأمر ويخشى من هبة أوسع تضامنا معنا، لان اليوم التالي سيكون يوم ذكرى النكبة، وأثناء حديثنا جاء احد الضباط وقال الم تتفقوا بعد الليلة سوف تنهون إضرابكم قبل 15-5 ، وتم بحمد الله الاتفاق على الإفراج عنا بالوقت المحدد من انتهاء الاعتقال الإداري . [title]أمنية يرويها الجسد[/title] صحيح انه نصر لنا ولكافة الأسرى وشعبنا ولكنني وددت أن أحقق نصرا كبيرا واجبر السجان على الإفراج الفوري عني لأنقل ما يعانيه المضربين عن الطعام واخرج كما أنا ليرى العالم قسوة السجن والاحتلال، وأعالج في مستشفيات الوطن في الخارج يشاهدني الجميع كمثالا وأنموذجا عن الأسرى . وتم بعدها فك الإضراب على كوب شاي ساخن قدمه لي الأستاذ جواد بولص بعدما رفضت أن أتناولها على يد ضباط من مصلحة السجون إكراما للأستاذ بولس،وحتى لا يكون لأولئك السجانين فرحة بين أهليهم وأنفسهم امني فككت الإضراب على أيديهم . بعد أربعين يوما من علاجي في مستشفى سجن الرملة التقيت بأخي عزام في سجن شطة، بعدما تم الاتفاق على الأمر مع مصلحة السجون لفك الإضراب، وكانت لحظات عظيمة لم أر فيها شقيقي منذ عام 2005 . [title]ما زال الخير في أمتنا [/title] واليوم أنا اخرج للعالم كي اثبت أن الاحتلال وظلمه القاسي ليس مستحيلا أن نهزمه، ما دامت هناك قلوب حية نابضة من أمثال شعبنا واخص بالذات طلبة الجامعات، وكانت همتنا بازدياد وقت الإضراب حينما عرفنا أن هناك متضامنين من كافة أنحاء العالم ،فأحييهم على وقفتهم التي دعمت صمودنا . وحينما تدرك أن لك خالقا يدبر الأمر، وان هدفك في الحياة رضاه سبحانه وتعالى، وحينما يزداد الشعور إيمانا عميقا بحب فلسطين وتؤمن بضرورة الحرية فإن الكرامة التي سنحياها تطلب منا أن نبيع أجسادنا من اجل حرية شعبنا ومقدساتنا .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.