19.44°القدس
19.21°رام الله
18.3°الخليل
25.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.21°
الخليل18.3°
غزة25.47°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

كيف يؤثر بُعد المسافة على الأسرة والمجتمع؟

533
533
مهند عميرة

تعريف ببعد المسافة، هناك عدم مساواة في الأدوار بين النّاس دائمًا في أيّ مجموعة، فهناك الرّئيس والمرؤوس، ويملك بعض الأشخاص قوّة أو نفوذ أو مكانة اجتماعيّة أعلى من غيرهم، والأمثلة على اختلاف الأدوار كثيرة، فمنها مثلًا؛ علاقة الابن مع أبيه، وعلاقة المواطن مع حاكمه، وتلعب عدّةُ عوامل أدوارًا متفاوتة في صنع هذا الاختلاف بين النّاس، مثل؛ النّسب، والعمر، والثّروة، والمكانة الوظيفيّة، والمنصب السّياسي.

تختلف المجموعات من حيث تعامل أفرادها مع عدم المساواة، ويشير البعد الثّقافي الخاصّ ببعد المسافة إلى الفجوة التي تفصل الأفراد الأدنى مكانةً عن الأفراد ذوي المكانة الأعلى، ويتمّ قياس هذا البعد بالاعتماد على وجهة نظر الأفراد أصحاب المكانة الأدنى، أي كيف ينظر الابن لأبيه، وكيف ينظر المواطن لحاكمه.

بناءً على ما سبق، يمكن تعريف بعد المسافة على أنّه مدى توقّع وتقبّل الأفراد ذوي المكانة الأقل لفكرة عدم التّساوي في الأدوار بين أفراد المجتمع، أو نظرة الأفراد الأقل شأنًا في المجتمع للأفراد الأكثر شأنًا، وتنعكس درجة بعد المسافة ـالّتي تتمتّع بها أيّ مجموعةـ على سلوك الأفراد وعلاقتهم ببعضهم البعض -في الأسرة والمجتمع- بشكل كبير، فنجد اختلافًا واضحًا في علاقات أفراد الأسرة مع بعضهم، أو أفراد المجتمع فيما بينهم، بين المجتمعات عالية بعد المسافة عن المجتمعات منخفضة بعد المسافة.

تأثير بُعد المسافة على الأسرة

تفرض الأسر المنتمية للمجتمعات عالية بعد المسافة على أفرادها اختلافًا في المكانة الاجتماعيّة والنّفوذ داخل البيت، ويحكم هذا الاختلاف العمر والدّور، وهذا يخلق وضعًا أشبه بترتيبٍ للأفراد بناءً على مكانتهم داخل البيت، فنجد الأب والأمّ في الصفّ الأوّل، ثمً الإخوة والأخوات في صفوف مختلفة، غالبًا ما يحكم تنظيمها العمر، أي نجد الأخّ الأكبر أو الأخت الكبرى في الصفّ التّالي، ثم الأقلّ عمرًا، وهكذا وصولًا إلى الصفّ الأخير الّذي يشغله الأخّ الأصغر أو الأخت الصغرى.

وتفرض هذه الأسر على أفرادها الأقلّ شأنًا احترام وتبجيل الأفراد الأكثر شأنًا، بل والخوف منهم أحيانًا، فنجد الأخ الأصغر يحترم الأخّ الأكبر، ويوقّرون ويخافون الأب، أو الأمّ، أو كبير السنّ، مثل الجدّ والعمّ والخال، ويستمرّ هذا الوضع طوال حياة هؤلاء الأفراد، ويفرض القانون غير المكتوب لهذه الأسر طاعة الأقلّ شأنًا للأعلى شأنًا، فتوجيهات الآباء للأبناء تعدّ بمثابة الأوامر التي لا يرفضها الأبناء، في المقابل، فإنّ الأفراد الأعلى مكانة ينظرون للأفراد الأدنى مكانة نظرة مسؤوليّة، فيقومون برعايتهم، والاعتناء بهم، وتأمين احتياجاتهم، وبعد أن يكبر الآباء في السنّ، يقوم أبنائهم برعايتهم، مع حفظ مكانتهم الأعلى، التي تظهر في استئثارهم في صنع القرار، وتقديم النّصيحة للأبناء في شؤون الحياة المختلفة.

على الطرف الآخر من المقياس، هناك الأسر التي تنتمي لمجتمعات منخفضة بعد المسافة، حيث تغلب على العلاقات بين الأفراد فيها المساواة والنديّة، ولا يلعب العمر أو الدور أيّة أدوار في تحديد المكانة الاجتماعيّة والنّفوذ داخل البيت، فالأب والأمّ والإخوة والأخوات الصّغار والكبار لديهم حقوق متساوية.

تفرض الأسر منخفضة بعد المسافة على جميع الأفراد احترام بعضهم البعض بشكل متساوٍ، أي لا تفرض تقاليد هذه الأسر طاعة الأقل شأنًا للأعلى شأنًا، فالكبير، والصّغير، والأمّ، والأب، وجميع أفراد الأسرة يتّخذون القرارات المهمّة، فلا تأتي التّوجيهات بشكل مركزي من ربّ البيت، ومن الممكن أن لا يستشير الأبناء آبائهم في القرارات المهمّة، وأن يتّخذوها وحدهم، كما يستطيع الأبناء رفض توجيهات آبائهم، أمّا الآباء فإنّهم لا يعيلون أبنائهم لفترات طويلة من حياتهم، إذ يستقلّ الأبناء بحياة خاصّة بهم في أعمار مبكّرة، وبعد أن يكبر الآباء في السنّ، تصبح علاقتهم بأبنائهم أشبه بعلاقة الأصدقاء، ولا يتوقّع الآباء مساعدة أبنائهم.

تأثير بُعد المسافة على المجتمع

وعلى مستوى المجتمع، فهناك اختلاف أيضًا في سلوك الأفراد بناءً على درجة المجتمع على مقياس بعد المسافة، فالعلاقات بين النّاس في المجتمعات عالية بعد المسافة يسودها شكل من أشكال الطّبقيّة، حيث ينقسم النّاس إلى طبقات اجتماعيّة وماديّة مختلفة، يحدّد هذه الطّبقات الثّروة، والنّفوذ والنّسب ويسعى أصحاب الرّتب العالية في إحداها إلى العلوّ أكثر في المحدّدات الأخرى، فمثلًا يسعى رجال الأعمال الأثرياء لدخول المعترك السياسيّ لزيادة نفوذهم أكثر، ويسعى المشاهير في المجتمع لدخول عالم الأعمال لزيادة ثروتهم بالإضافة إلى نفوذهم، فتتّسع الفجوة أكثر بين الطّبقات الاجتماعيّة وتتّضح، فيملك الثروةَ والجاهَ فئةٌ قليلة، وتختفي في معظم الحالات الطبقة الوسطى، وليس سعي الأفراد لزيادة نفوذهم إلّا بسبب فكرة نظرة الأفراد الأقلّ شأنًا لهم بعين من الاحترام والخوف، واستئثارهم بصنع القرار.

يحترم النّاس ذوو الوضع الاجتماعي الأقلّ في هذه المجتمعات تصنيفهم المجتمعي، ويخافون الأكثر سطوة، ولا يتكلّمون عادةً في أمور العامّة، أمّا ذوو الوضع الاجتماعي الأعلى فإنّهم يستخدمون القوّة كثيرًا لإثبات سطوتهم ونفوذهم، ونتيجة لهذه الفجوة الكبيرة فإنّ تغيير السّلطة أو محاسبة السّادة غير شائع، ولا يتمّ قبوله من السّادة، بل يُرفض غالبًا بالقوّة.

على الطّرف الآخر، هناك المجتمعات ذات بعد المسافة المنخفض، حيث يقلّ فيها وضوح الطبقيّة، ولا يعني انتماء فرد ما فيها إلى طبقة ماديّة أو اجتماعيّة أعلى حصوله على حقوق أكثر من الآخرين، لذلك فإنّ الأفراد ذوي الوضع الأعلى في إحدى محدّدات درجة الرّتبة الاجتماعية لا يسعون إلى وضع أعلى في باقي المحدّدات، فيصبح مألوفًا أن يعمل شخص غني في وظيفة عاديَّة، ممّا يساعد في توزيع أكثر تساويًا لموارد المجتمع، والحفاظ على وجود الطبقة المتوسّطة لفترات أطول.

يحترم النّاس ذوو الوضع الاجتماعي الأعلى في هذه المجتمعات القانون، ولا يسعون لإثبات سطوتهم ونفوذهم بالقوّة، فمن غير المألوف استخدام القوّة في غير مواضعها القانونيّة، ويتكلّم الجميع في شؤون العامّة، وتسود الدّيمقراطيّة وتساوي الآراء، ونتيجة لعدم وجود فجوة بين أفراد المجتمع، فإنّ محاسبة السّادة ـوربّما فضحهم أحيانًاـ يعتبر أمرًا عاديًّا، ويتمّ تغيير السّلطة بسلاسة ويسر، ويقبل أفرادها هذا الأمر.