أخيرًا في لبنان، تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، تضم كافة الكتل البرلمانية اللبنانية، وتمثل مخرجًا للجميع، ويشارك فيها حزب الله بثلاثة وزراء، ويرأسها سعد الحريري غريمهم السياسي.
هذه تجربة لبنان الصعبة والمعقدة، لكن الأمر لدينا يبدو ليس كذلك، لأسباب كثيرة في أقلها ما يقال دائمًا حكومة بمقاس الرئيس، حيث تنال التزكية منه دون مرجعيات، وبغياب للأسس الشرعية لتشكيلها وتكليفها، لذلك تكون حكومة بلا طعم، وبرائحة عنصرية حزبية مقيتة تمارس القتل وقطع الأرزاق والإقصاء، والتعاون الأمني مع الاحتلال.
حكومة رامي الحمد الله الغابرة المغادرة ارتكبت الموبقات السياسة والوطنية والتشريعية على مدار 4 سنوات، وسبقها كذلك ترؤس الحمد الله نفسه للحكومة السابقة بنفس النهج، وقبلها سلام فياض الذي قاد حملة الانفصال بين غزة والضفة الغربية، والنتيجة واحدة، لكن الأمر لا يرتبط بهما فقط، بل بمن يمنحهما الثقة، وهنا الحديث عن الرئيس الفلسطيني الذي سيطر على كافة المؤسسات الوطنية والتشريعية، وأقصى كافة معارضيه، واليوم يتكرر المشهد، في إقالة الحكومة تحت مسمى استقالة.
لن يحدث تغييب لأي حكومة قادمة، لأسباب كثيرة منها: أنها لم تنل الثقة من الشعب الفلسطيني، التي يفترض أن تنالها من المجلس التشريعي الذي أعلن عباس حلّه، لا تمثل كل الفصائل الفلسطينية وخاصة الوازنة منها، لأنها مستبعدة عن المشاورات وكذلك المشاركة، ولا تعبر عن القطاعات الوطنية والفئات المجتمعية، لأن طريقة اختيارهم تخضع للفرز السياسي والأمني من قبل عباس.
رئيس الحكومة القادمة سيكون بلا شرعية، ولو كانت شكلية كما حدث مع الحمد الله عام 2014، حيث لم يبقَ من الحكومة الوطنية سوى اسمها بعد التغييرات التي حدثت عليها دون أي مشاورات وطنية، وتم إقصاء الوزراء الذين تم اختيارهم بالتوافق.
من الواضح أن سياسة الإقصاء والإبعاد التي تسيطر على الرئيس عباس لا زالت مستمرة ومتواصلة وتأخذ أشكالًا جديدة، لكن هي استمرار لحالة العداء التي يمارسها ضد المؤسسات والشخصيات الفلسطينية الوطنية، واستبعاد كافة المؤسسات الشرعية وتغييب القوانين، بحيث تشكل حكومة بلا أدنى مسوغ قانوني أو تشريعي أو فصائلي، إلا إذا جاءت من "تغيير الوجوه رحمة"، لكن قد يدخل رئيس الحكومة القادم من هذا الباب، وخاصة إذا جاء باختيار عباسي فقط دون أي فصيل وطني، في زمن الاستفراد والعصر العباسي الذي يستمر على مدار 14 عامًا.