ما أجمل العطاء وقت الضيق، وما أروع أن تداوي جراح الآخرين وأنت تملأك الجراح، وما أسمى أن تبحث للآخرين عن مخرجٍ، وأنت مُحاصَر وكل منافذ الحياة أمامك مغلقة ، وما أجمل أن ترسم للآخرين معالم الحياة، وأنت تحتضر. جميلة تلك الخطوة التي قامت بها وزارة الأوقاف والشئون الدينية في الحكومة الفلسطينية بغزة عبر المساجد، حيث نظمت الوزارة حملة لجمع التبرعات من الشعب المُحاصَر في غزة، إلى الشعب الذي يتضور جوعاً في الصومال، والذي يرزح تحت وطأة الحرب الأهلية منذ ما يقارب من عشرين عاماً، وتحت وطأة شبح المجاعة التي أرخت بظلالها على كل مكونات الصومال ، ودمرت كل آمال الصوماليين في العيش بحياة كريمة، بعدما تحولوا إلى باحثين عن وطن خارج حدود المكان، وتحولت الصومال إلى أكوام حجارة . لم يقتصر الأمر على وزارة الأوقاف والشئون الدينية، بل إن مكتب اتحاد الأطباء العرب في غزة أعلن عن جمع 17 ألف دولار منذ مطلع شهر رمضان، كتبرعات من سكان قطاع غزة، من أجل المساهمة في إغاثة منكوبي المجاعة في الصومال. الجميل في الأمر أن حملة وزارة الأوقاف، وحملة اتحاد الأطباء العرب، لقيتا مُباركة من الشعب الفلسطيني، وإقبال منه على مد يد العون لإخوانهم في الصومال، حيث تبرعت بعض النساء بحليهن، والرجال بما تيسر لهم من أموال، لأن الشعب الفلسطيني يدرك تماماً مدى أهمية أن يجد المرء من يساعده وقت الشدة، وألا يقف متفرجاً . في هذا الخطوات تُبرهن غزة على أن كل رهانات الأعداء في إغراقها في بحر الهموم والمشاكل كي تنسى إخوانها العرب، قد باءت بالفشل، لأن أبناء غزة يحملون في قلوبهم مبادئ جميلة لا حصر لفوائدها، إن سُمح لهم بتطبيقها على أرض الواقع ، ويقرءون جيداً قول الله " إنما المؤمنون إخوة "، ويعرفون جيداً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ، وحفظوا عن ظهر قلب القصيدة التي تقول" بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني" ويطبقونها عملياً وبإتقان. إن ما يحدث في الصومال ما كان ليحدث، لولا أن ملوك العرب وحكامهم انشغلوا بزيادة عدد أملاكهم وعدد جواريهم ، ومن دخلن في ملك يمينهم، ومن جلسوا في ملك يسارهم، ونسوا عدد جوعاهم، وعدد مرضاهم،، وآثروا الصمتَ أمام ذبح البلاد والعباد، ولذلك أصبحت أماني الشعوب مكسورة الجناح ، كلما ارتفعت متراً تسقط في الأرض ألف ذراع . ما أجمل أن تدرس الحكومة الفلسطينية إمكانية تحويل مسار بعض قوافل المساعدات التي تأتي لغزة، باتجاه الصومال، كي تنال غزة شرف المدح الرباني، {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ، وكم جميل كما أن يتبنى إعلام حكومة غزة قضية الصومال، ويجعلها من أهم القضايا على أجندة الإعلام العالمي، فان هذه الأعمال ستسجل اسم غزة بمداد من ذهب، وتبقيها متربعة على عرش الشهامة والنخوة، فهي بهذا تثبت للقاصي والداني أنها أصلب من كل المحن والتحديات، وتبرهن للآخرين بأنها تتألم لأحزان إخوانها العرب، رغم قسوة خنجر الإهمال المغروس في خاصرتها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.