يأسرك جمال البيوت العربية بنموذجها الإسلامي حيث الأقواس والنوافذ والأبواب الجميلة التي تحيط بشارع الشهداء في مدينة الخليل.. قصور شامخة وحوانيت حزينة مغلقة حرم الاحتلال أصحابها من التمتع بها بعد أن حولها إلى منطقة عسكرية منذ 25 عاما عقب عملية "الدبويا" الفدائية التي نفذها المقاومون الفلسطينيون ضد المستوطنين وقتل وجرح فيها العشرات منهم.
واكتملت دائرة الإغلاق الكامل لشارع الشهداء بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994م.
عبق التاريخ
يتناقل الخليليون رواية عن أجدادهم حول تسمية شارع الشهداء، الذي تحيط به تلة الرميدة من الجنوب الغربي وحارة الشيخ التاريخية من الجانب الشرقي الشمالي، فيما يوجد على تلة الرميدة مسجد الأربعين الذي كان مكانه في العهد الصليبي دير يطلق عليه (مشهد الأربعين) وروي أن الصليبيين أسروا أربعين مجاهدا فلسطينيا وقاموا بحبسهم داخل الدير ومن ثم قتلهم وقطع رؤوسهم، حيث تدحرجت رؤوس الأربعين إلى أن استقر بها الأمر في أسفل الوادي الذي بات يطلق عليه من ذلك الزمن شارع الشهداء.
أهمية المكان
ويعتبر شارع الشهداء شريان الحياة بالنسبة لسكان مدينة الخليل، فهو حلقة الوصل بين شمال المدينة الذي يضم نحو 120 الف نسمة وسكان جنوب المدينة التي تحتضن بحاراتها التاريخية وفي محيط مسجدها الإبراهيمي نحو مائة ألف نسمة أو يزيد، وقد كان شارع الشهداء قبل إغلاقه يشكل المعبر الرئيس لمحطة الباصات الرئيسية واسواق الذهب وسوق القفاصين للدواجن وسوق السهلة للحبوب وكذلك المقابر الرئيسة الكبرى لسكان المدينة والمسجد الإبراهيمي والمساجد التاريخية المحيطة به مثل مسجد القزازين ومسجد أهل السنة ومسجد الأقطاب والكيال وغيرها.
احتلال الشارع وإغلاقه
سيطرت سلطات الاحتلال الصهيوني على شارع الشهداء وحولته الى بؤرة استيطانية وعسكرية، خاصة بعد عملية الدبويا عام 1989م، حيث تم السيطرة على مدرسة الدبويا التابعة لوكالة الغوث وتحوليها الى بؤرة استيطانية تحت اسم بيت هداسا، كما تم السيطرة على محطة الباصات المركزية ومستوصف الإخوان المسلمين وكذلك مدرسة أسامة بن المنقذ التي تحولت إلى بؤرة استيطانية ومعهد ديني تحت اسم بيت رومانو.
وتم إغلاق شارع الشهداء نهائيا من بداية مدخله عند طلعة عبد شاكر ومكتب تكسيات غزة وحتى بداية سوق السهلة على مشارف المسجد الإبراهيمي. وتحول المكان إلى ثكنات عسكرية وبؤر استيطانية، فيما أغلقت الحوانيت التي يبلغ تعدادها نحو 46 دكانا وحوصرت المنازل بسكانها التي تبلغ نحو 73 منزلا يسكنها نحو 1500 نسمة من الفلسطينيين حيث يعيشون حياة الرعب والعذاب والمعاناة صباح مساء.
الفلسطينيون ورحلة العذاب
يصف أبو مفيد الشرباتي 54 عاما أحد القاطنين في شارع الشهداء المعاناة اليومية التي يعانيها سكان الشارع فيقول : "لقد حول جيش الاحتلال مدخل الشارع الغربي إلى معبر رسمي مزود بالبوابات الإلكترونية ومحاط بالأبراج العسكرية والأسلاك الشائكة حيث تمنع السيارات من دخوله بتاتا، والعبور فقط على الأقدام لسكان الحي وفق أرقام وتصاريح خاصة ولا يسمح لغيرهم بالعبور بتاتا".
ويتابع "قام جنود الاحتلال بإحصاء الساكنين في شارع الشهداء واعطوا كل مواطن رقما خاصا به سجل على غلاف هويته وعند خروجه او دخوله من المنزل عليه إبراز الرقم ومن لا يبرزه عند الدخول لا يتمكن من الوصول إلى منزله بتاتا!! وينام في العراء.
ويضيف الشرباتي "هذه الإجراءات العنصرية حرمتنا من زيارة اقاربنا وأهلينا وخاصة في رمضان والاعياد والأعراس، تصور من يريد أن يزوج ابنته عندنا في شارع الشهداء، لا يسمح للعريس ان يدخل إلى دار أصهاره ويزور عروسه!! أليس هذا عذاب ومصيبة؟".
ويختتم حديثه بالقول: نحن نعيش في عالم آخر اشبه بالمعسكرات النازية، لا نتمكن من إدخال كيلو خضار أو طحين أو أرز إلا بعد تفتيشه تفتيشا دقيقا.. وإذا مرض أحدنا فإنه يموت ويشبع موت قبل وصول سيارة الإسعاف".
ويصف زهير البايض 57 عاما الذي يسكن داخل شارع الشهداء حال الفلسطينيين قائلا: "نحن في خطر وأطفالنا ونساؤنا وأحفادنا، وذلك من تهديد قناصة الاحتلال الذين يتمركزون على الأبراج العسكرية، فلو قال الجندي لأحدنا توقف ولم يسمعه ولم يتوقف يعاجله برصاصة في قلبه أو رأسه فيرديه قتيلا وما أكثر الذين قتلوا بهذا الشكل".
ويضيف "تخيل لم يسمح لضيوفنا وأرحامنا في رمضان بالعبور إلى منزلنا لتناول طعام الإفطار فاضطررنا إلى إحضار طناجر الطعام والأواني والصحون وتناولنا مع الضيوف طعام الإفطار خارج الشارع بجوار البوابات الإلكترونية أمام الحاجز على الأرض!".
شهداء على مدخل الشارع
لقد حصد جنود الاحتلال العشرات من أرواح الفلسطينيين على مدخل شارع الشهداء بعد قنصهم من فوق الأبراج العسكرية تحت حجة محاولتهم طعن الجنود الإسرائيليين.
وقد أكد الباحث الحقوقي الفلسطيني هشام الشرباتي أن قوات الاحتلال والمستوطنين تعمدوا تنفيذ عمليات إزهاق الأرواح بدم بارد حتى يهجروا سكان الشارع ويتركوا منازلهم كي يسكنها ويسطر عليه المستوطنون. وأضاف "كثير من الحالات تم التحقيق في قتلها ولم يكن هناك أي مبرر لسلطات الاحتلال لقتلهم!! وانما أطلق عليهم النار بدم بارد".
وأضاف أن من بين من قتلوا من الفلسطينيين على مدخل شارع الشهداء كان كلا من: هديل الهشلمون 18 عاما، طارق زياد النتشة 16 عاما، فضل محمد عوض 18 عاما، همام عدنان اسعيد 22 عاما، هاشم يونس العزة 54 عاما، إسلام رفيق حماد اعبيدو (23 عاما)، فاروق عمر سدر، 19 عاماً، وطاهر فيصل فنون (19 عاما) وابن عمه مصطفى فضل فنون (15 عاما) وغالبيتهم في عامي 2014م و2015م.
ورغم الاحتجاجات الدولية والحقوقية إلا أن سلطات الاحتلال مصممة على زرع الموت للفلسطينيين في هذا الشارع حتى يتم الضغط عليهم وترك منازلهم لكنهم مصرين على البقاء رغم الموت.