25°القدس
24.66°رام الله
23.86°الخليل
27.42°غزة
25° القدس
رام الله24.66°
الخليل23.86°
غزة27.42°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

المعايير الشرعية والمهنية الحاكمة للصناعة المالية الإسلامية

1
1
كمال توفيق حطاب

تأسست المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، في أعقاب اجتهادات علمية وشرعية لعدد من العلماء الذين أحاطوا بالعلوم الشرعية والعلوم المصرفية، ومنذ ذلك الوقت لا تزال الجهود الفكرية متواصلة في خدمة هذه المؤسسات حرصاً على سلامتها الفنية والشرعية .

ونظراً لأن المؤسسات المالية الإسلامية لم توجد بمعزل عن الصناعة المالية التقليدية الدولية، فإنها تتأثر كثيراً بالأسس والمبادئ التي تحكم هذه الصناعة، بل إنها تخضع للقوانين والأنظمة التي تصدرها البنوك المركزية وغيرها من الأجهزة الحاكمة للمؤسسات المالية الإسلامية،كما أنها تخضع للمعايير الدولية مثل معايير بازل 1 و2 و3، وكذلك معايير التصنيف الائتماني الدولي التي تصدرها مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك تحاول الهيئات والمؤسسات الإسلامية الداعمة للصناعة المالية الإسلامية إيجاد معايير مهنية وشرعية خاصة بالصناعة المالية الإسلامية، ولكن هذه الهيئات لا تعمل كجسم واحد، وبالتالي فقد ظهرت معايير متعددة متنوعة فنية وشرعية، تحاول أن تحكم الصناعة المالية الإسلامية، دون أن يتوفر لها قوة الإلزام المهني والشرعي.

وبناء على ذلك بقيت الصناعة المالية الإسلامية تخضع للمعايير الدولية والتقليدية أكثر من خضوعها للمعايير الشرعية والمهنية الإسلامية.

معايير الرقابة والتنظيم الشرعية

تستمد المعايير الشرعية من المصادر الأصلية المتفق عليها وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة والإجماع والقياس، كما أن المصادر الفرعية كالعرف وقول الصحابي وعمل أهل المدينة والاستصحاب والاستحسان وشرع من قبلنا تساعد كثيراً في طريق الوصول إلى المعايير الشرعية للصناعة المالية الإسلامية المعاصرة.

ولعل معظم المعايير التي نصت عليها هيئات الرقابة الشرعية أو هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أو غيرها من الهيئات ذات العلاقة بالرقابة الشرعية تدور حول أربعة أمور، كما نص على ذلك ابن رشد في كتابه «بداية المجتهد»؛ حيث يرى ابن رشد ومن خلال استقراء النصوص الشرعية التي تناولت تنظيم المعاملات الاقتصادية، أن أسباب الفساد في البيوع والمعامات تنحصر في أربعة أمور هي: الربا والغرر والشروط الفاسدة والسلع والأنشطة المحرمة(1).

غير أن هذه الموضوعات الأربعة التي بحثت بشكل مفصل في كتب الفقه القديم، كما بحثت بشكل تفصيلي من خلال البحوث والرسائل الجامعية المعاصرة، حيث كتب في كل موضوع منها عدد من رسائل الدكتوراة (2)، أو الماجستير والبحوث المحكمة، لا تزال بحاجة إلى دراسات معيارية قياسية تقويمية، حيث توجد فيها الكثير من المناطق الفرعية الغامضة، والتي تحتاج إلى محكمات أو معايير أو أدوات قياسية يمكن من خلالها التعرف بشكل واضح وقاطع عليها، من خلال احتساب مقدارها وحجمها، من أجل استبعاد واجتثاث الحرام من المعاملات المشروعة.

الشروط الفاسدة تضم كل شرط لا يقتضيه العقد أو يكون فيه منفعة لأحد العاقدين لا يوجبها العقد.

ونعرض في هذا البحث أبرز المعايير الشرعية التي تحتاج إلى محددات قياسية عملية.

اجتناب الربا

حرص الفقهاء المتخصصون على اجتناب الربا في كافة المعاملات والعقود والصيغ التي تتعامل بها الصناعة المالية الإسلامية، ووضعوا لذلك ضوابط ومعايير ومواصفات محددة، يمكن التعرف عليها واجتنابها من المعاملات.

وبالرغم من اتفاق الفقهاء قديماً وحديثاً على حرمة الربا بكافة أشكاله، فإنهم لا يزالون مختلفين حول الكثير من جزئياته وفرعياته، مما اقتضى وضع المعايير الخاصة التي تعمل بشكل مستمر على مكافحة الربا واجتثاثه من كافة العقود والتعاملات المصرفية الإسلامية. وقد تكون المحددات التالية من أهم المؤشرات إلى وجود الربا:

– الزيادة المشروطة على أصل الدين أو القرض.

– الزيادة المفروضة بعد انقضاء أجل الدين.

– الزيادة المضمونة على أموال المشاركة أو الاستثمار.

– الزيادة عند بيع مال ربوي بجنسه.

– التأجيل عند بيع مال ربوي بجنسه أو بغير جنسه.

– الزيادة على أصل الدين الناجم عن مبيعات وهمية.

– الزيادة الناجمة عن الديون الحاصلة بسبب الأنشطة العقيمة.

وقد اقترح بعض العلماء خمسة معايير لاستبعاد الربا من المنتجات المالية الإسلامية وهي (3):

1- نسبة المديونية إلى الثروة.

2- تبعية التمويل للبيع أو التبادل.

3- المصالح الشرعية.

4- القيمة المضافة.

5- الشفافية.

وبالرغم من قوة هذه المعايير أو المؤشرات إلا أنها لم تلق استجابة أو متابعة من المؤسسات المعنية من أجل تطبيقها أو تحويلها إلى معادلات أو مؤشرات قياسية تعمل على قياس الربا في بعض المعاملات أو العقود، من أجل استبعاده واجتثاثه، ولذلك لا يزال الوضع الحالي للصناعة المالية الإسلامية يفتقر إلى تطبيق مثل هذه المعادلات أو الأدوات القياسية.

يحرم كل نشاط استثماري في مراحل الإنتاج أو التسويق أو الاستهلاك يسهم بطريق مباشر أو غير مباشر في إنتاج وتسويق واستهلاك المحرّم.

اجتناب الغرر الفاحش

ورد عن عدد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الغرر»(4). ويستفاد من الحديث تحريم بيع الغرر، وفساد عقد بيع الغرر، بمعنى عدم ترتب أي أثر عليه على رأي جماهير العلماء (5).

وليس هناك من شك في أن الغرر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان واضحاً جلياً في مجتمع الرسالة، وقد مثل الفقهاء له بأمثلة عديدة بعضها كان منتشرا لدى العرب في الجاهلية، وبعضها ربما كان وليد عصور لاحقة .. وقد بالغ بعض الفقهاء في إدخال صور عديدة من البيوع ضمن بيوع الغرر، ورعا منهم وحرصاً على تجنب الحرام. ومن أبرز الضوابط التي ذكرها بعض العلماء المعاصرين للغرر الفاحش ما يلي (6):

– أن يكون الغرر في محل العقد وليس في توابعه، حيث يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.

– أن يؤدي إلى خروج العقد عن مقصوده أو أن يكون مقصود العقد الغرر والجهالة.

– أن يكون في المعاوضات لا في التبرعات، لأنه يغتفر في التبرعات ما لا يغتفر في المعاوضات.

– أن يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل.

– أن يؤدي إلى النزاع والخصومة وضياع حقوق الناس.

– أن تزيد قيمته عن 10% من قيمة العقد.

وبالرغم من وجود هذه المحددات الدقيقة، فلا يزال العلماء مختلفين حول الغرر في كثير من العقود، وهل هو غرر فاحش أم غير ذلك (7)، ولا توجد حتى الآن معادلات قياسية يتم من خلالها استبعاد الغرر الفاحش من العقود بطريقة آلية.

إلغاء الشروط الفاسدة

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة: «ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله تعالى، من شرط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط، شرط الله أحق وأوثق» (8).

فالشروط الفاسدة تضم كل شرط لا يقتضيه العقد أو يكون فيه منفعة لأحد العاقدين لا يوجبها العقد، فهي شروط ليست من مقتضى العقد، أو تنافي مقتضى العقد، أو تشتمل على غرض يورث التنازع، ومن أهم هذه الشروط ضمان منفعة لأحد الطرفين دون الآخر، أو إعطاء الحق لأحد الطرفين بتنفيذ العقد إن صحت توقعاته، بينما يتعرض الطرف الثاني لخسارة كبيرة …إلخ.

كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» (9). فهذا الحديث يشير بوضوح إلى أن الأصل في العقود والشروط الصحة والمشروعية، إلا ما كان منها يحل حراماً أو يحرم حلالاً.

إن التزام الصناعة المالية الإسلامية باستبعاد الشروط الفاسدة فيه سلامة لمسيرتها، وضمان لمصداقيتها، وزيادة لثقة الناس بها، وبالتالي زيادة انتشارها وتقدمها وتفوقها على مستوى دول العالم كافة. ولكن التطبيق في حقل الصناعة المالية الإسلامية لا يشير إلى استبعاد هذه الشروط الفاسدة بشكل كلي نظراً لعدم وجود محددات أو أدوات قياس يمكن من خلالها استبعاد مثل هذه الشروط.

البنوك المركزية تقوم عادة بتحديد سقف معين لإجمالي الائتمان الذي يمنحه أي بنك بحيث لا يستطيع تجاوزه.

اجتناب المحرمات

إن الصناعة المالية الإسلامية يجب أن تلتزم بقاعدتي الحلال والحرام، حيث يحرم كل نشاط استثماري في مراحل الإنتاج أو التسويق أو الاستهلاك يسهم بطريق مباشر أو غير مباشر في إنتاج وتسويق واستهلاك المحرم، لأن كل إعانة على الحرام فهي محرمة (10).

إن اجتناب الأنشطة المحرمة والسلع الضارة لا ينحر في الصناعة المالية الإسلامية بل إن جهات عديدة في المجتمعات الغربية أخذت تنادي بمقاطعة ما يسمى «أسهم الخطيئة» shares of sin ، وهي تعني الأسهم الصادرة عن شركات تتعامل بالخطيئة، مثل شركات الخمور والدخان والقمار وأسلحة الدمار والأفلام الإباحية .. وغيرها من الشركات التي تنتج منتجات ضارة بالإنسان أو البيئة.

بل إن منظمات وهيئات حقوقية وإنسانية عديدة تحذر بشكل مستمر من تدهور البيئة والاستنزاف والاستخدام الجائر وتدعو إلى عالم أخضر وبيئة خضراء (11)، كما وجدت دراسات عديدة حول الأثر الاجتماعي لشركات الخطيئة (12).

وبالرغم من أن الحلال بيّن والحرام بيّن، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الصناعة المالية الإسلامية لا تزال تراوح حول الحمى، ولم تخرج كلياً من مناطق الشبهات، مما يستلزم ضرورة أن تكون المعايير واضحة فاصلة لا لبس فيها، كما يستلزم إعطاء هذه المعايير الصفة القانونية الملزمة وإحاطتها بالحماية والعقوبات الرادعة لمن يتجاوزها.

معايير الرقابة والتنظيم المهنية

معايير البنوك المركزية

تتشابه وظائف البنك المركزي التقليدية في معظم دول العالم، فهو بنك للحكومة وبنك الإصدار وبنك البنوك وبنك الائتمان.

ويمارس البنك المركزي وظيفة بنك البنوك وبنك التحكم في الائتمان على البنوك التقليدية والإسلامية على السواء، فهو الجهاز المسؤول عن الترخيص لهذه البنوك، وهو المسؤول عن إنهائها في حالة الإفلاس، كما أنه الجهاز المسؤول عن ممارسة أدوات السياسة النقدية بكافة أشكالها، والتحكم في حجم الائتمان وكميات النقد ووسائل الدفع وفقا للأوضاع والأهداف الاقتصادية التي تسعى إليها الدول والحكومات.

وتسعى البنوك المركزية في تعليماتها الصادرة إلى البنوك إلى الأخذ بأحدث المعايير المهنية التي تصدرها المؤسسات والأجهزة الدولية مثل معايير بازل 1، 2، 3، وتتأثر التشريعات والتعليمات المصرفية التي تصدرها البنوك المركزية غالباً بالتشريعات والمعايير المصرفية الدولية، وذلك من أجل المحافظة على سلامة المراكز المالية للبنوك وتصنيفاتها الائتمانية الدولية.

ومن أجل توضيح أثر بعض المعايير والمؤشرات التي تطلبها البنوك المركزية من البنوك الإسلامية نعرض نماذج لبعض القضايا المهمة في هذا المجال:

 سياسة نسبة الاحتياطي:

تعتبر سياسة نسبة الاحتياطي أو الرصيد النقدي من أهم أدوات السياسة النقدية التي يمارسها البنك المركزي للتحكم في عرض النقد والائتمان في المجتمع، حيث يفرض البنك المركزي على جميع البنوك الاحتفاظ بنسبة من ودائعها لديه تتناسب مع الوضع الاقتصادي والنقدي للدولة، من حيث وجود التضخم أو الكساد أو الانكماش والركود.. الخ، وقد تكون هذه النسبة 15% أو 20% أو 30% …الخ.

وقد كان الهدف الأصلي لفرض نسبة الاحتياطي قديماً هو إتاحة السيولة للمصارف عند الحاجة، ثم تطور الأمر إلى المحافظة على سلامة الأحوال الائتمانية والاقتصادية، وإتاحة موارد كافية تضمن الأمان للنظام المصرفي والائتماني (13).

ويبدو أن البنوك المركزية تتعامل مع معظم البنوك الإسلامية كما تتعامل مع البنوك التقليدية، ولئن كانت البنوك المركزية تحتفظ بنسبة ضئيلة أو كبيرة من ودائع الحسابات الجارية فإن ذلك ليس هو المشكلة، لأن المشكلة تظهر عندما تطبق نسبة الاحتياطي على حسابات الاستثمار، فهذا يتعارض مع طبيعة هذه الحسابات، فأصحاب الودائع يودعونها للاستثمار متحملين عواقب الربح أو الخسارة، فتطبيق نسبة الاحتياطي على هذه الحسابات يعني عدم استثمار هذه الحسابات بالكامل (14).

السيولة القانونية:

يطلب البنك المركزي من البنوك الاحتفاظ بنسبة من السيولة من مجموع الودائع تحت الطلب والودائع لأجل، وتقيس هذه النسبة مدى قدرة البنك على الوفاء بالتزاماته في الأوقات الحرجة، ومدى قدرته على تخطيط تدفقاته النقدية. وتصدر البنوك المركزية تعليمات احتساب هذه النسبة، ويتضمن (بسط) النسبة عادة النقد لدى البنك والودائع لدى البنك المركزي وصافي النقد بين المصرف والمصارف الأخرى والسندات الحكومية أو بكفالتها.

أما مقام النسبة فيتكون من مجموع الودائع والمبالغ المقترضة والشيكات والحوالات والسحوبات برسم الدفع (15).

وتراعي بعض البنوك المركزية – كالبنك المركزي الأردني – اختلاف مكونات بسط النسبة بالنسبة للبنك الإسلامي، حيث اعتبر الأسهم ضمن مكونات بسط النسبة بدلاً من السندات الحكومية، لأن البنك الإسلامي لا يتعامل بالسندات الحكومية، وهذا الموقف من جانب البنك المركزي الأردني خفف من تعطيل مبالغ كبيرة دون استثمار، خاصة عندما تكون نسبة السيولة 30% فأكثر.

وقد اقترح موسى شحادة، مدير البنك الإسلامي الأردني، أن تحسب التمويلات الحكومية أو بكفالتها ضمن بسط النسبة نظراً لغياب السندات الحكومية وكذلك الكمبيالات ذات الأجل القصير(16).

وتعمل بعض البنوك المركزية بأكثر من نسبة، فالبنك المركزي المصري يعمل بنسبتين إحداهما للمعامات بالجنيه المصري والأخرى للمعاملات بالعملة الأجنبية (17).

ويتفق كثير من الباحثين في الاقتصاد الإسلامي على استمرار سريان هذه النسبة نظراً لأنه ليس فيها ما يعتمد على التعامل الربوي، كما أنها تحقق مطلب الأمان واليسر المالي في إدارة الأموال في البنوك الإسلامية، إضافة إلى ما يسمى بالرقابة الحصيفة من قبل البنك المركزي (18).

د. كمال توفيق حطاب