25°القدس
24.66°رام الله
23.86°الخليل
27.42°غزة
25° القدس
رام الله24.66°
الخليل23.86°
غزة27.42°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

هجرتك نجاة لوطنك وتغيير للمعادلة

533 (1)
533 (1)
شفاء منديلي

بدأ ينتاب معظم أصحاب الهممِ من الشباب اليأسُ حيال ما يصير في عالمنا العربي، دكتاتورياته، استبداده، فساده، ظلمه وقهره، وليس هناك ما هوأعظم من قهر الرجال. لقد شهدنا ما خلفته السلط المطلقة والجائرة من اعتقالات واغتيالات وسرقات للممتلكات من دون وجه حق بإسم الدين والإصلاح، وتاريخها يقر بخياناتها للأمة وبيعها لقضايا الشعوب الحساسة لصالح قيام حكمها أودوامه بحماية الأعداء، فاقتنع أغلب الذين ثبتوا وحافظوا على فطرتهم الكريمة والحرة، بأنه مهما علا شأنهم ومهما حققوا من نجاحات وتطور ومشاريع نهضوية، ستأتي قوة جائرة ستسلبهم كل شيء بإسم القانون وعدالته المفترضة.

حياة يظن معظمنا أنها تصيب بالوهن وتقيد اليدين والتفكير، تجعل كل واحد يبحث عن حل يخلصه من سجن فرض عليه، يمنعه من الحلم والارتقاء والتطور، حيث أصبح حقه في الطموح تهديدا لحريته ولحياته. فإذا تأملنا واقعنا سنجده مدعوما بقوى خارجية لضمان مصالحها، وسنجد أن كل خطوة لتغيير الوضع ستواجَه بدعم خارجي للخائن الذي يحفظ أمنها، والعجب أن هذه القوى هي التي تنادي بالحريات والديمقراطية لنيل رضى شعوبها، لكن مهما كانت الأوضاع فإن من يؤمن باليوم الآخر لن يدفعه هذا إلى الاستسلام واليأس والرضوخ والطاعة "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"، فيجب عدم القبول بأي شكل من أشكال الظلم والباطل ومواجهته حتى آخر نفس.

فوسط كل هذه الأحداث، وهذا الكم من الضياع والحيرة، لا بد من الرجوع إلى دليل به تفصيل كل شيء، "بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُو إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ"، فوضح الله في كتابه كيف أن أنبياء مكلفين بالإصلاح والتبليغ، وأشخاص مؤمنين بقضاياهم وأفكارهم، خرجوا من أوطانهم لإتمام رسالاتهم، ولم يكن خوفا أو هروبا فهم يوقنون بأن الله خير وأبقى، بل حكمة وتخطيطا لإنقاذ البشرية التي ستسير على خطاهم من بعدهم، فقد كان لابد من التخلص من صاحب السلطة المانع لأي تغيير يهدد عرشه الهاوي وفساده الذي غلفه بغلاف ديني وإصلاحي بعد أن صدق كذبته، ولنا في قصة موسى التي غلب ذكرها في القرآن أكبر مثال، خروج يهدف إلى إنشاء مجتمع متماسك تسوده القيم والأخلاق، فقادوا أمما بعيدا عن أوطانهم، ليعودوا لإصلاحها بقوة حكيمة، كون هدفهم إعلاء كلمة الحق وهداية البشرية وليس الحصر والانطواء داخل مجتمع أو بقعة.

وفي قصة خاتم المرسلين الحكمة البالغة، فلاستمرار رسالته أمر صحابته بالذهاب إلى ملك لم يكن مؤمنا به، لكنه كان ملكا لا يظلم عنده أحد، ثم بعد ذلك بالهجرة إلى المدينة، تاركا وطنه وبيت الله، معطيا الأهمية لنشر الخير والسلام بين العالمين، وإنشاء مجتمع يقوم على العدل واحترام الحريات، يضمن حقوق كل فرد من أفراده وكرامته، فقد قدم الله الدفاع عن البشرية على خدمة حجاج بيته فقال "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ"، فبعد الهجرة تَمّ بناء مجتمع واعٍ ومساوين الجميع، يعلمهم أن لا فرق بينهم وأن الحكم لله وحده. فاتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مسكنه في المدينة التي انطلقت منها رسالته حتى بعد فتح مكة، ودفن بها في إشارة إلى أن الوطن الحقيقي هو الذي يحمي فكر الإنسان ويحترم حريته ويزكيه، فصارت ذكرى هجرته بداية سنة جديدة لكل من آمن به إلى يوم الدين.

لقد نهى الله البشر عن الإستسلام لأمر الواقع والتحول إلى نموذج خاضع وراض بوضعه، مغير لفطرته التي تحثه على العمل والتغيير والإستخلاف والحرية والتفكير، ووصفهم بالظالمين أنفسهم فقال "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" واستثنى المستضعفين الذين لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا. هجرات بعض الرسل مكنتهم من الوصول إلى القيادة باختيار من اتبعهم لصدقهم وأمانتهم، بعيدا عن السلطة الجائرة والمقيدة، متبعين منهج ربهم المخاطب للعقل والفطرة كما أمرهم بقوله "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، فكانت بداية الطريق نحو الإصلاح بالحجة وليس الإكراه، في أرض تسمح بالقيادة لذوي الكفاءة، تضمن حقوق الشعوب في تحديد مصيرها والتعبير والاختيار، وتحترم الفكر والحريات والاختلاف، فاستطاعوا تكوين قوة مكنتهم من التأثير على أغلب الأمم، وسادت رسالتهم بين العالمين.

استغل بعض رواد الحركة الصهيونية الهجرة فكونوا اقتصادات عظيمة ساعدتهم لبلوغ مراكز القرار والتحكم في سياسات الشعوب بهدف تحقيق مساعيهم، لكن، بالتخطيط والتفكير والعمل وليس بالخضوع وانتظار المعجزات، ستنتهي مزاعمهم كما وعد الله "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. إن من يؤمن بالله واليوم الآخر يسعى إلى الإرتقاء بنفسه بما يناسب كرامته، بما يحفظ حريته ويجعل منه خليفة الله في أرضه، لا يبيع عقله ولا فطرته ولا يرضى بمبدأ ولا بعقيدة مشوَّهة تقلل من قيمته كمخلوق كرمه الله، فلا يركن إلى الذين ظلموا ولا يكون من الظالمين، ليجد الأمن وتتحقق له الهداية كما قال الله "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"، فكانت رسالة الله إلى العالمين لضمان حياة كريمة للناس كافة.