وانت تقرأ كتاب «Why Leaders Lie?: the truth lying and international politics» «لماذا يكذب القادة؟: حقيقة الكذب والسياسة الدولية» لمؤلفه جون مارشيمر، ينتابك شعور وكأن ساسة العرب لم يتعلموا الا هذا الجانب الشرير في السياسة! وأن ذكاءهم تنامى في ذلك فقط!! وأنهم ألفوا ذلك لدرجة العجز عن القنطرة نحو القيادة الأخلاقية Ethical Leadership، وبات حالهم كحال اللصوص والمحتالين الذين تفوقوا بذكائهم المبهر في الجانب الخاطئ من الحياة.
لقد أثبت فنانو الخداع البصري The illusion قدرتهم على إظهار الواقع بصورة ادراكية تتحايل على الحقيقة، ولَكُم أن تطالعوا ابداعات فناني ذلك اللون مثل كيم سكوت Scott Kim وموريتي Guido Moretti وريكس ويستلر Rex Wistler وغونسالفيز Rob Gonsalves وغيرهم، وبعد التركيز الذي هو بمثابة الوعي يتكشف لك انك لم تكن تدرك الحقيقة، هذا هو الحال حينما تكتشف الشعوب كذب ساستها وذلك بعد تعبئة وعيها بحقيقة الحقيقة.
تحدث الكتاب بطريقة متسقة ونادرة عن ستة أساليب وممارسات للكذب، أثر تلك الأساليب لا يختلف عن أثر الخداع البصري، والتي لا تنطلي إلا على من غيب البصيرة، لكن المدرك الذي أحاط بكلية الصورة وتفاصيلها يعلم يقينا ما وراء الصورة، يقول ابن تيمية رحمه الله: «الفتنة إذا اقبلت أدركها العلماء واذا أدبرت أدركها العامة».
أول تلك الأساليب أسلوب «إثارة الذعر»، وهو كذب القائد على أتباعه او شعبه بتضخيم قضية خارجية تشكل تهديدا لبلده، وذلك لتعظيم الجدية وزيادة وتيرة اهتمام الشعب بها، يبدأ هذا الأسلوب بنية موجبة لتحقيق مصلحة وطنية، لكن سرعان ما يتسلل الفاسدون لبث سمومهم محليا، هذا الأسلوب لا يعمل في ظلال بيئة محلية فاسدة! بل هو عين المفسدة.
هناك اسلوب يسمى «التغطيات الاستراتيجية»، والهدف من تلك التغطيات، إخفاء قرارات وسياسات فاشلة تمس الشعب مباشرة، عبر تسليط الضوء على قضايا جاذبة خارج إطار الدولة وإشغال الشعب بها عن الفشل الذريع، والهدف حماية الفاشلين وضمان استمرارهم في السلطة، وهو ما نسميه في علم الإدارة «الإدارة بالأزمات» Management by Crises.
أسلوب آخر هو ما يتعلق بـ»صناعة الأساطير القومية»، عبر تمجيد الماضي التليد وغير المؤكد باستفزاز العواطف لمحاولة الحفاظ على الهوية حينما تتعرض للتهشيم.
بينما اسلوب تصميم «الأكاذيب الليبرالية»، يستند إلى اساس التغطية على ممارسات تتناقض مع منظومة المبادئ المتعارف عليها بشكل واسع في مجتمع الدولة، وتبريرها عبر الإعلام المسيطر عليه ليبراليا.
أسلوب آخر هو «الإمبريالية الاجتماعية»، ويتمثل بإطلاق الأكاذيب على دولة أخرى بهدف ضرب اقتصادها لصالح اقتصاديات الدولة او لصالح فئة صغيرة متنفذة، أو ضرب وتشويه فئة مجتمعية او سياسية معارضة لفئة صغيرة متنفذة داخل الدولة، ويتعاظم استخدام هذا الاسلوب حينما تدار الدولة عبر فئة صغيرة متنفذة باتت سياساتها تظهر عفنها، فيأتي ذلك الاسلوب مثابة المشاغلة الحسية عن تلك الممارسات الفاسدة المتجذرة، ليعكس ذلك التفافا شعبيا حول تلك الفئة المتنفذة.
واخيرا هناك اسلوب «التغطيات الشنيعة»، وهو كذب القادة حينما تظهر شناعة تخبطهم وفشلهم، فيسلطون الضوء على فشل الآخرين للتغطية على فشلهم الشنيع، والهدف حماية انفسهم واعوانهم الفاشلين.
تلك الأساليب الستة التي يتشكل منها عالم الكذب في السياسات المحلية والدولية، والضحية دوما المصلحة العامة، واترك لكم فلسفة الاسقاطات الواقعية واستدعاء الأمثلة الحية لكل أسلوب.
وكما يقول جون جي ميرشيمر: من الصعب تصور استمرارية الحكم الديمقراطي لزمن طويل اذا فقد الشعب احترامه لقادته، ورآهم مجرد حفنة من الكذابين، وإذا فقد احترامه لمؤسساته لأنها موغلة في الفساد، ولهذا يكذب القادة لتغطية كذبهم وفسادهم.
وفي نهاية المطاف، فإن الطامة الكبرى ليست في كذب القادة فحسب، بل فيمن يصدقهم ويسحج ويطبل ويزمر لهم بالمجان، «وفيكم سماعون لهم».