تستدعي حالة الاشتباك التي تخوضها غزة على أكثر من جبهة سواء مع العدو الإسرائيلي أو الخصوم السياسيين في المقاطعة، استخلاص العبر والدروس من تجارب التاريخ الحديث، التي تشترك مع غزة في زوايا متشابهة من نصب الفخاخ الداخلية والمؤامرات الخارجية.
كل من حاول التمرد على المنظومة الدولية التي يقودها أرباب النظام العالمي، واجه خطوات تعريته من الشرعية الشعبية أو الديموقراطية، وتعرض لحصار سياسي واقتصادي، وأخيراً تم اسقاطه بسكاكين أخطرها سكين شركاء الوطن والدم.
في العام1951 تمكن الإيراني محمد مصدق من الوصول للحكم عبرة ثورة ديموقراطية بعدما نجح بتأميم "عددٍ كبيرٍ" من شركات النفط البريطانية في إيران، الأمر الذي أثار غضب ورفض بريطانيا والولايات المتحدة، وقررتا التصدي له، و إسقاطه وبطريقة تشبه إلى حدٍ كبير ما تواجهه غزة اليوم وكانت الخطة على النحو التالي:
قام كرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب الذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه إسماً سرياً هو عملية أجاكس، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية. كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران طهران وقتذاك شعبان جعفري بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات التي تحط من هيبة مصدق؛ بالتوازي مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية في وضح النهار.
وكذلك تم إيكال مهمة نزع الشرعية الدستورية عن مصدق لشاه إيران، وقبل أن يهرب إلى إيطاليا وفي بداية شهر أغسطس من عام 1953، وقع قرارين: الأول يعزل مصدق والثاني يعين الجنرال فضل الله زاهدي محله. الذي قام بدوره بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران.
خطة الفوضى والتخريب لتهيئة بيئة الانقلاب استمرت بجهود " السي اي ايه " التي وظفت مجموعة كبيرة من القبضايات في طهران، والذين بدورهم نظموا مظاهرات في شوارع العاصمة بالتعاون مع العسكريين الذين كانوا يلبسون ملابس مدنية.
في النهاية سقطت حكومة مصدق، وحوكم أمام محكمة صورية لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. وحَكَمَ الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات؛ ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية أحمد أباد.
هكذا نجحت خطة أجاكس الأمريكية في إسقاط حكومة مصدق، فهل تنجح في إسقاط غزة؟!