بدأت الباحثة في علم الإنسان والزراعة فيفيان صنصور بعد عودتها من الولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات البحث عن الجزر الأحمر الفلسطيني الذي يعد وجبتها المفضلة في طفولتها، فتفاجأت أنه لم يعد يتم زراعته كالسابق، والحصول عليه يكون بعد عناء طويل.
كان هذا الخبر صادما بالنسبة للباحثة الفلسطينية لعدم اهتمام الفلسطينيين بالمحاصيل الزراعية والأنواع النادرة التي تعد هوية فلسطين الزراعية، فقدم لها مزارع فلسطيني نصيحة بضرورة استقرارها في فلسطين، وزيارة كافة القرى الزراعية للتعرف أكثر على تراث الأرض الفلسطينية، للحفاظ على بذورها وحمايتها من الاندثار، وحتى لا تفقد مزيدا من الأكلات الفلسطينية التراثية كما فقدت الجزر الأحمر.
النشأة
من هنا تبلورت لديها فكرة إنشاء المكتبة الفلسطينية للبذور البلدية، للحفاظ على الإرث الزراعي وتقنيات الزراعة في فلسطين، وحمايتها من الانقراض في الوقت التي تغز البذور الإسرائيلية المهجنة الأسواق الفلسطينية، ويقبل عليها المزارعون بشكل كبير.
وفي حديثها للجزيرة نت عن النتائج التي توصلت إليها بعد ثلاث سنوات من تأسيس المكتبة الفلسطينية للبذور البلدية قالت فيفيان "كان المزارع الفلسطيني على وشك فقدان البذور البلدية نتيجة اعتماده بشكل أساسي على البذور المهجنة والمرفقة بالمبيدات والأسمدة من الشركات الإسرائيلية، مما سيفقدنا الجيل الجديد من المزارعين، وضياع إرثنا الزراعي الفلسطيني الذي حافظ عليه أجدادنا منذ آلاف السنين".
وتضيف "استطعت من خلال حفظ البذور البلدية في المكتبة توعية المزارعين بأهميتها وضرورة الاهتمام بها، الأمر الذي قلل الاقبال على شراء البذور المهجنة من الأسواق الإسرائيلية، حيث أصبح المزارعون يقبلون على استعارة بذور لأنواع مختلفة من المحاصيل البلدية الفلسطينية المهددة بالانقراض من المكتبة لإعادة زراعتها من جديد".
تغيير الصورة النمطية
وتوضح الباحثة أنها استطاعت من خلال المكتبة الوصول للكثير من المجتمعات في العالم، وهذا وضع القصة الفلسطينية بالحديث العالمي عن البيئة والتغير المناخي، فكانت الصور النمطية المعروفة عن فلسطين هي القتل والدمار، ولكن بعد الجهود التي بذلتها أصبح الفلسطينيون معروفين في العالم، فكل من يسمع فلسطين يدور في ذهنه الزراعة والبيئة والمناخ والطبيعة والبذور البلدية، حيث "أصبح لدينا قصص نشاركها للعالم، وألهمت بعض المجتمعات التي انخرطنا بها".
وحسبما أفادت، فإنها تمكنت من مواجهة كافة التحديات من خلال المحافظة على التنوع الحيوي والثقافي في ظل غياب الاستقلال السياسي كونهم تحت الاحتلال، إضافة إلى نشر أساليب الزراعة القديمة والبذور البلدية، وزيادة والتوعية بأهمية السيادة في مجال الزراعة، إذ إن عدد أصناف البذور التي تم الاحتفاظ بها في المكتبة بلغ ما يقارب 50 صنفا من البذور البلدية الفلسطينية.
وتلفت إلى أنها وخلال جمعها البذور البلدية الفلسطينية استطاعت تحقيق أهداف عدة، أهمها توسع النقاش بشأن التراث الزراعي، مما أدى إلى عودة الكثير من الناس للزراعة من جديد بعد تركها لسنوات عدة نتيجة اندثار البذور البلدية وعدم الاهتمام بها.
الاهتمام من جديد
وعملت الباحثة صنصور مع ما يقارب 20 مزارعا ومزارعة، لتكثير عدد أنواع البذور التي أوشكت على الاندثار وبدأت تغيب عن أذهان الناس لعدم الاهتمام بها، فانتشرت تلك البذور من جديد من خلال زيادة المحاصيل الزراعية لتلك الأنواع، وبذلك تمكنت من حماية السلة الغذائية الفلسطينية وتوعية الفلسطينيين بأهمية الزراعة.
ومن النجاحات الحقيقة التي حققتها من خلال إنشاء المكتبة الوطنية لحفظ البذور البلدية من الاندثار إثبات ملكية الفلسطينيين لأراضيهم المحتلة، كون البذور توضح وتعزز أنها لم تأت من الفضاء، وأن أصحاب هذه الأرض عززوها وعملوا على تطويرها.
وتذكر مديرة المكتبة الفلسطينية للبذور البلدية أن هناك شركات عالمية تحاول عمل بعض البذور كأنها ماركة مسجلة، ولكنها تمكنت من إثبات ملكيتها باعتبار أن تلك البذور فلسطينية، وهي جزء من ممتلكات المجتمع الفلسطيني وليست من ممتلكات تلك الشركات، وأن قصة البذور مهمة كتراث بيولوجي يحفظ هوية المجتمع.