ربما يفاجئك طفلك بقصة محبوكة الأحداث، عن قيام صديقه بضربه أثناء اليوم الدراسي، وينفعل أثناء سرد أحداث أكذوبته، فيما تنفعل أنت بسبب ما فعله الصديق، وعندما تقرر استكشاف الأمر تجد أنه لم يحدث على الإطلاق.
الأطفال غالبا يكذبون بلا شك، فعندما ينكرون أنهم فعلوا شيئا بشدة، فتأكد أنهم فعلوه، فهم يكذبون في الغالب للحصول على شيء يريدونه، أو تجنب شيء لا يريدون فعله، ويكذبون أيضا لجعل أنفسهم أكثر إثارة للإعجاب ولتضخيم تقديرهم لذواتهم، ربما تجد كذبة عرضية حول الواجبات المنزلية، أو كسر مزهرية وإلصاق التهمة بقطة في المنزل أو الشقيق الأصغر.
ويبدأ الأطفال في اتباع تلك العادة في سن الثانية والثالثة، وتكون كذباتهم في هذه السن مضحكة أحيانا، إذ إنها تأتي لإخفاء التجاوزات التي يمارسونها، وحول سن الرابعة يتعلم الأطفال كذبات أكثر قبولا موجهة إلى النمو العقلي للمستمع، وفي سن السابعة أو الثامنة، تكون كذبات الأطفال أكثر اتساقا مع الحقائق المعروفة وتكون أكثر تصديقا للكبار.
بالطبع جميعنا يعرف أن الصدق يُنجي، وأنه صفة يجب غرسها في أطفالنا، لكن الأبحاث قالت إن الكذب دليل على ذكاء الطفل، كما أن ممارسة الطفل للكذب دليل على أنه يفهم أن الآخرين لديهم معتقدات مختلفة مما هي عليه، فالجواب المُختصر عن تساؤل، مثل لماذا يبدأ بعض الأطفال الكذب في سن مبكرة عن غيرها، وما يفصل بينهم وبين أقرانهم الأكثر صدقا؟ هو أنهم أكثر ذكاء، بحسب تقرير نشره موقع "سيكولوجي توداي".
في تجربة أجريت على مئات الأطفال بواسطة أستاذ علم النفس التنموي مايكل موريس، طلب من مجموعة من الأطفال ألا يختلسوا النظر إلى لعبة مخبأة وراء ظهورهم، هل يستطيعون الامتثال لذلك الأمر والتعرف إلى اللعبة المخبأة؟ هل سيعترفون إن استرقوا النظر؟
وجد الباحث، أن الغالبية العظمى من الأطفال قد استرقوا النظر إلى اللعبة خلال ثوانٍ من مغادرة الباحث الغرفة، وكذب عدد كبير منهم بشأن ذلك، فأنكر ما لا يقل عن ثلث الأطفال -ممن هم في الثانية من العمر- ونصف مَن هم في الثالثة، وكذلك 80% أو أكثر من الأطفال الذين بلغوا الرابعة أو أكبر، وبحسب موقع "إن سي بي آي"، فإن النتائج لم ترتبط بنوع الطفل أو جنسه أو دين أبويه.
ووجدت التجربة أيضا، أن الأطفال الذين اختلسوا النظر ثم كذبوا يتمتعون بنسبة ذكاء لفظي (القدرة على استخدام اللغة لتحليل المشكلات وحلها) تفوق غيرهم بعشر نقاط، مع ملاحظة أن الأطفال الذين لم يختلسوا النظر إلى اللعبة أصلا هم الأذكى على الإطلاق، لكنهم نادرون.
كذب طفلك يعني مهارات اجتماعية أكثر
الكذب ظاهرة صحية بالنسبة للأطفال، تدل على التطور العقلي لديهم، فوفقا لدراسة بجامعة تورنتو قام بها البروفسور "كانج لي"، فإن تعلم الخداع يعزز المهارات المعرفية لدى الأطفال الصغار، فالطفل الذي بدأ الكذب في سن الرابعة، أفضل في مهاراته الاجتماعية من قرينه الذي فعلها في وقت لاحق.
ويطور الأطفال مهارة الكذب في عمر السادسة أو السابعة عندما تتطور "الذاكرة العاملة" لديهم، وهي المسؤولة عن جعل كذبته أكثر معقولية، وتذكر معلومات عن كذبته، واسترجاعها في حال سئل عنها لاحقا، وكلما تطورت تلك الذاكرة كانت كذبته أكثر معقولية.
كما يطور الأطفال مهارات الكذب لتصبح مستقبلا مصدر قوة اجتماعيا وتجعلهم أكثر قدرة على المجاملة والتودد إلى الآخرين أو ما يعرف بالكذب الأبيض.
ماذا لو استمر كذب الطفل؟
هل معنى ذلك أننا نشجع على الكذب، بالطبع لا، لو كان هذا الفعل مهارة تدل على تطور الطفل العقلي، وقدرته على الانسجام مع الواقع من وجهة نظره بالطبع، وهو ما يعني تطوره العقلي، غير أن ذلك لا يعني أننا ندعو إليه.
إليك بعض الخطوات التي يجب اتباعها حال تعود طفلك على كذباته الصغيرة:
ـ استخدام أسلوب المكافآت والتخلي عن الضرب أو التعنيف هو الأسلوب الأفضل، فالضرب يؤدي إلى نتيجة عكسية، ليُصبح الطفل أكثر مهارة في ممارسة الكذب، فهو لا يعرف أن ما يقوم به خطأ.
ـ الثناء عليه ومدحه إذا قال الصدق، فهذا يعتبر أكثر فاعلية.
ـ الاستغناء عن قصص الأطفال، التي تحذر من المصير المشؤوم للكذابين، مثل "بينوكيو"، لأنها تفشل في إثناء الطفل عن الكذب، ويمكن التعويض عنها بالقصص التي يقابل فيها الصدق بالاستحسان.
ـ دع طفلك يعرف مدى شعورك بالإحباط عندما لا يخبرك الحقيقة، لتعزيز فكرة أن الكذب يمكن أن يضر بمصداقية الشخص وعلاقاته.
ـ لا تنعته بالكذاب، وحاول أن تفهم الأسباب التي تجعله لا يقول الصدق، فلن تحصل فقط على الحقيقة، فعلى الأرجح ستجمع معلومات قد تساعدك في تعزيزها مستقبلا.
ـ عزز الحب غير المشروط، فآخر شيء يريد الأطفال فعله هو أن يخيبوا آمال آبائهم، ولهذا السبب عليك أن تدعهم يعرفون أنه على الرغم من أنك قد لا تحب سلوكهم في بعض الأحيان، لكن لا يوجد شيء من شأنه أن يغيّر حبك لهم.