26.67°القدس
26.27°رام الله
25.53°الخليل
28.55°غزة
26.67° القدس
رام الله26.27°
الخليل25.53°
غزة28.55°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

فلاتر سنابشات.. وهم الكمال المغلف بالزيف

533 (1)
533 (1)
ايوب واوجا

"نيرسيس ليس جميلا، كما ظَنّ.. ورّطوه بمرآته، فأطال تأمُّله، في الهواء المقطر بالماء"

- أبيات شعرية لمحمود درويش عن الاسطورة الاغريقية نرسيس الذي تأسست على قصته النظرية النفسية "النرجسية".

في رواية حارس الفايسبوك للروائي شريف صالح، يكتشف الناس ذات صباح أن فيروسا يدعى بوديكا قد قام بفضح أسرارهم على الفايسبوك، عبر التعريف بالأسماء الحقيقية للمستخدمين، ونشر صورهم دون فيلتر، وسرعان ما اكتشف رواد الفايسبوك أنهم أمام يوم القيامة الافتراضي! هكذا اكتشف الناس في الرواية مدى الهوة بين واقعهم الافتراضي المزين والواقع الحقيقي، فعلى مدى سنين من التواجد الافتراضي سعى الناس لرسم شخصية عنهم مغلفة بالكمال ملتجئين بذلك للفيلترات والانتقاء المبالغ فيه للصور والتمويه طمعا في جذب الانتباه والإعجاب حتى لو تطلب الأمر طمس الهوية الحقيقية على حساب حقيقة زائفة.

من أجل الكمال.. فلتذهب الحياة الحميمية للجحيم!

فلترات مبالغ فيها، تيجان ورود، أضواء ساطعة، أذان أرانب وديعة، تأطيرات للوجوه تقصي ملامحنا الغير مرغوب فيها لكونها تخفي بثورا أو عيوبا خلقية غير مرحب بها، إلخ.. كلها استراتيجيات للظهور والتباهي، استراتيجيات تجعل الوجه الإنساني يسبح في عالم الإنترنت بصور كاذبة عنه، صور يفترض فيها أن تظهر عيوبه وتجاعيده وتفاصيل وجهه بالكامل، غير أنها بالفيلتر تجعله منفصلا عن ذاته بإضافات وتعديلات وهمية.

مع ثورة ظاهرة السناب تقلص مفهوم الخصوصية بشكل رهيب جدا، فصار الهاتف يرهن إرادتنا بإرادة الأخر ويحفر نافذة في منازلنا قادرة على تغيير مشاعرنا، بدرجة صارت معها أبسط أفعالنا توثق بالهاتف وتنشر للعموم، في العمل، الأكل، صالة الرياضة، فراش النوم! سمحنا للغرباء بأن يتعرفوا على ألوان أغطيتنا تحت مسمى الاعتراف بالذات والرغبة في التميز والتفرد، وعلى الرغم من كون هذه الصور مغلفة بطابع العفوية إلا أنه نادرا ما يتم نشرها دون انتقاء وتعديلات حتى وإن كانت منشورات متعلقة بالأشياء اليومية المبتذلة.

هذا التعديل الممنهج بالفيلترات جعل ثنائية "الحقيقة والكذب" التقليدية غير قادرة على وصف ما يحدث في العالم الافتراضي، وذلك راجع لصعود ظاهرة أطلق عليها علماء الاجتماع "ما بعد الحقيقة" post truth فعملية الفلترة إضافة والإضافة تكميل للنقص وهكذا تتداعى كل النقائص في الجسد على حساب التقدير والرضا بالذات، والخطورة تكمن في الترويج لفكرة الوجه الدائم الابتسامة والجمال والخالي من الانفعالات البشرية فنحن بالفيلتر نخلق لوجهنا وجها أخرا كاذبا ونقضي بذلك على طبيعة الوجه الإنساني الحقيقي.

أنا أخد سيلفي إذن أنا موجود

في ليلة توزيع جوائز الأوسكار لعام2014، حدث شيء لم يعتده المتتبعون من قبل، في تلك الليلة لم يخطف الأضواء كالمعتاد لا نجم سينمائي ولا فيلم، كان أهم خبر يدور حول صورة فقط، صورة جابت كل أقطار العالم في دقائق معدودة، صورة الإعلامية إلين رفقة عدة مشاهير في حفل الأوسكار والتي حطمت الرقم القياسي في تغريدات التويتر عرّفت العالم ولأول مرة على مصطلح السيلفي!

ومنذ ذلك الحين صار السيلفي سلوكا يوميا، نلتقط صورا ذاتيا في سفرنا، ونحن نعمل، حتى في لحظاتنا الحميمية، نرسيس حاول امتلاك وجهه والتوحد معه من خلال النظر في بركة الماء فغرق، أما نحن فنبحث عن امتلاك عدة صور نسعى من خلالها لخداع الزمن وتأبيد ذواتنا، لتنطق صورنا عنا فيما بعد: نحن كنا هنا، نحن التقينا بالفنان الفلاني، نحن كنا سعداء. والمعنى الأعمق أننا نقدم صورتنا للأخرين محاولين معها انتزاع زمن خاص بنا فعند التقاط السيلفي نوقف معه الزمن ونثبت ملامحنا للأبد ونبني الصور التي تناسبنا. ثقافة السيلفي عززت من معايير الجمال والكمال مشجعة بذلك النساء على التعامل مع مظهرهن كمشروع يحتاج لتحسينات مستمرة حتى صرن يعشن على ضغط وهوس دائم لتزيين مظهرهن وبذلك تحول السيلفي لنشاط روتيني.

كيف تحولت الصور الشخصية لسلاح؟

تحولت الصور لأداة تعريفية للفرد داخل مجتمع الإنترنت، فالفرد يسعى من خلال الصورة للتعريف بذاته ورغم أن الصورة تخصه إلا أن وسائل التواصل تعرفها بأنها الصورة الدائمة للفرد طيلة حياته، كأنه مبتسم على طول العام أو يمضي عطلته الصيفية في فصل الشتاء..، وبذلك صار الإنترنت ساحة كرنفال أقنعة، فالأقنعة تعد وجها تانيا للفرد تسمح له باتباع أهوائه ورغباته كما كان يقع في الحفلات والمهرجانات التنكرية بأوروبا، بهذا إذن فالصور في الويب سلاح يُستخدم في الحروب الباردة على وسائل التواصل الاجتماعي، النساء يصورن الهدايا والسفريات، الرجال يصورن حفلات تخرجهم أو ترقياتهم، من أجل الانتشاء بالذات وإغاظة الأعداء، الصور دوما رسالة مبطنة، ورغبة في بسط التفوق والرغبة ويصور فيها المرء نفسه كما يتمنى لا كما هو بالفعل. في نهاية المطاف لا أحد يضمن ألا يقع لنا ما جرى لشخصيات رواية حارس الفايسبوك، فهل نحن قادرون على مجابهة حياتنا دون فيلتر؟