يُقدم الآباء لأطفالهم الهدايا بين الحين والآخر، البعض يفعلها بشكل شبه يومي، وآخرون يقدمونها في مناسبات محددة، وغالبا لا يعرف الكثيرون الوقت الأنسب لتقديم الهدية، والانعكاسات المترتبة لذلك على نفسية الطفل.
وتقوم بعض الأسر بتلبية رغبات طفلها عبر تقديم الهدية أو شراء كل ما يطلبه بكل وقت سواء احتاج لها أم لا، وهنا يثار تساؤل عن الوقت الأنسب لتقديم الهدية للطفل، بحيث لا يؤثر الأمر عليه نفسيا وتربويا.
هدية مشروطة
اعتبر اختصاصي الطب النفسي زهير الدباغ أن "تقديم الهدية للطفل أمر محبب ومطلوب ويفيد الطفل من الناحية النفسية والتربوية"، مستطردا: "ولكن تقديم الهدية يجب أن يكون بشروط وهي: أن تكون منطقية، وبشكل عشوائي، وفي المناسبات، وللتشجيع والمكافئة".
وأكد الدباغ، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "من أهم شروط تقديم الهدية للطفل أيضا أن تتناسب مع القدرة المادية للعائلة، وألا تكون للتعويض العاطفي بأي حال من الأحوال".
لا وقت محدد
من جهتها قالت أخصائية الإرشاد النفسي و التربوي وداد جاد الله لـ"عربي21": "لا يوجد وقت محدد لتقديم الهدية للطفل، ويُفضل أن يُهدى في أوقات متباعدة لأسباب عامة وغير محددة وكتعبير عن الحب والاهتمام".
وأشارت إلى أنه "من المهم جدا ألا تُقدم الهدية كنوع من التعزيز على سلوك محدد، لأن هذا يشكل حافزا خارجيا لإتقان الطفل أي عمل، ويُعد خطأ تربويا حيث يشكل شخصية انتهازية تمتنع عن إتمام العمل وإتقانه بدون مقابل خارجي".
وأوضحت أن "الصواب هو توجيه الطفل لأداء الأعمال لأهميتها لمستقبله أو للنتيجة الإيجابية المعنوية المترتبة عليها، ودون ربطها بنتيجة مادية أو تعزيز مادي كالهدية على اختلاف أشكالها".
تعزيز وليس هدية
بدورها قالت الإخصائية النفسية والأسرية أنسام سلعوس: "نحن كأخصائيين لا نسمي ما نقدمه للطفل هدية، خاصة لمن هم تحت سن الخمس سنوات، فهم لا يميزون ما معنى الهدية أو مفهومها".
وتابعت انسام في حديث لـ"عربي21": "نطلق على ما نقدمه لمن بهذه المرحلة العمرية مصطلح تعزيز وقد يكون بالمديح، فمثلا حينما يبتسم الطفل وأنت ترد له البسمة أو حينما يتصرف تصرفا ما وتضحك له، يُسمى رد الفعل هذا (التعزيز) كي يستمر بهذا السلوك الجيد".
وأكملت: "أما الطفل فوق 5 سنوات نمنحه الهدية إما تعزيزاً على تصرف أو إنجاز أو سلوك قام به أو تشجيع وتكريم له، وهذه الأمور كلها تندرج تحت مصطلح التعزيز".
وأشارت إلى أن "التعزيز يُعطى لتشكيل سلوك، مثال على ذلك حينما اعلم وأدرب الطفل كيفية استخدام كرسي الحمام ويتقنه، حينها يمكن أن اقدم له هدية ويعود نوعها بحسب سن الطفل".
أثر سلبي
وحول إذا ما كان هناك تأثير سلبي للهدية قالت أنسام: "يكون للهدية تأثير نفسي سلبي على الطفل، عندما يتم منحه إياها وهو أصلا مشبع بالهدايا، أو مثلا حينما يُوجه لسلوك معين ولا ينضبط فيه، هنا يكون للهدية أثر نفسي سلبي عليه، لأن الهدية الهدف منها تشجيع استمرارية السلوك الجيد، بالتالي إذا مُنحت للطفل حينما لا ينفذ السلوك الجيد يتأثر بشكل سلبي وهنا يصبح التعزيز في غير محله".
ويبادر أحيانا الوالدان بتقديم هدية للطفل كتعويض عن غياب أحدهما، سواء كان هذا الغياب بسبب الانفصال أو الانشغال في العمل، إلا أن أخصائية الإرشاد النفسي والتربوي وداد جاد الله اعتبرت أن "هذا التصرف خاطئا".
وقالت وداد: "من الأخطاء التي يقع بها الوالدان المنفصلان، هي محاولة استمالة الطفل من خلال الإغداق عليه بالهدايا، ما يشكل لديه شخصية جشعة مستغلة ويصبح من الصعب إرضاؤها، ويصبح الطفل كثير الكذب لاستعطاف أحد والديه على حساب الأخر".
ولفتت إلى أنه "في هذه الحالات فقط يُفضل أن يتفق الوالدان على مواعيد محددة للهدايا، كعيد الميلاد مثلا وضمن تكلفة متقاربة لضمان عدم تأثر الطفل سلبيا بحالة الانفصال بينهما".
من ناحيتها قالت الاخصائية النفسية والأسرية انسام سلعوس: "غياب أو فقدان أحد الوالدين لا يُعوض بالهدايا، فالتعويض لا يكون دائما ماديا بل بالحنان أو بحضن، وأعود واُذكر بأن الهدايا وجدت للتشجيع ولتعزيز السلوك وهي لا تعوض حنان الأب أو الأم".
دلال زائد
ونصح خبراء علم الاجتماع بعدم منح الطفل الهدايا بشكل مبالغ به، لأنهم يعتبرون هذا الأمر خاطئ ويؤدي لإفساد الطفل، وهذا ما أكده اختصاصي الطب النفسي زهير الدباغ، مضيفا: "يحدث في هذه الحالة تغيرات على شخصية الطفل من ناحية الانانية والحساسية وزيادة مستويات القلق لديه".
واتفقت انسام في الرأي مع الدباغ وقالت: "حينما يمنح الأهل الطفل هدايا كثيرة وبشكل مبالغ به وبمناسبة أو بدون مناسبة، سيؤدي ذلك لإفساده ويفقده الاحساس بقيمة المال".
وأضافت: "ونسمي هذا التصرف "دلال زائد"، وأيضا إعطاء الطفل كل شيء وبشكل مبالغ فيه سيُشعره بأن كل هذه الاشياء لا قيمة لها، فمثلا حينما يكون لدى الطفل الكثير من الالعاب، عندها لن يشعر بالهدية التي يمنحه اياها والديه كتعزيز له على سلوك جيد أو مثلا نجاحه في اختبار ما وتصبح الهدية لا قيمة لها".
وخلصت بالقول: "الدلال الزائد له أثر نفسي سلبي على الطفل حيث يصبح لا قيمة للأشياء عنده".