25°القدس
24.61°رام الله
23.86°الخليل
28.09°غزة
25° القدس
رام الله24.61°
الخليل23.86°
غزة28.09°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

فيسبوك والأمراض المُزمِنة

533 (1)
533 (1)
محمد الخشاب

هل فكرت يومًا في الأمراض الاجتماعية على فيس بوك؟

لقد أصبحت حياتنا مُلخصةً في مجموعة من الأجهزة والبرامج التي لا ينفك المرء منّا أن يَعكُف عنها حتى يُغالبه النُعاس، إذ إن جميع الأنشطة اليومية باتت ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنترنت وخاصة "فيس بوك"، فمن عملٍ إلى دراسة وترفيه ومشاهدة الأصدقاء وإن كانوا في أقصى العالم. فمع تزايد استخدامنا له في الحياة اليومية أصبح الواحد منّا يشارك جميع أصدقائه ما يدور في يومه إلى أن أخذ الوضع شكلًا آخر، قد أودى بنا إلى الوقوع في دائرة المرض الاجتماعي!

ولنتحدث عن "فيس بوك" كنموذجٍ أشهر لذلك، فقد صار الجميع مُصابًا بهوس مشاركة أماكن زيارته وصوره المُلتقطة من مكان لآخر ومن شخصٍ للتالي وكأن الوضع يسير وفقًا لمنافسة يحكمها الغرور، ومن هنا تأصلت رغبة الذهاب إلى أماكن جديدة والتقاط صورًا أفضل، فقط من أجل إظهارها في جدول اليوميات، لا حبًا في المكان أو ارتباطًا به.

وقد أخذ المرض صورة أخرى تتمثل في محاولة الواحد منّا التقاط صورًا مع أشخاص من مختلف تعاملاته؛ لتُنشر ويتطاير عليها كمٌ هائلٌ من التعليقات التي تشيد بروعة من فيها ومدى الحب الذي يُكنه لهم كل أصدقائهم، لدرجة تجعلك تتخيل أننا نعيش في مجتمع لا يعرف للحقد سبيلًا ولا للكره عنوانًا وعلى النقيض تجد الواقع معاكسًا تمامًا!

وهنا تتجلى حقيقة الفجوة التي يصنعها "فيس بوك" بيننا وبين الواقع، إذ إننا جميعًا نظهر عليه مُسالمين، لا نبدي كُرهًا، ومُتدينين، لا نعرف للذنب طريقًا، نتشارك الآيات والأحاديث وغيرها من الأدعية والقصص الدينية ولكن في الواقع لا نعمل بها، وقد لا نتذكرها البتة، وقد نفضل الظهور عليه في ثياب المُثقفين، وما أسهل ذلك! فتجد الجملة نفسها أو الاقتباس عينه قد كرّر نسخه معظم أصدقائك، في شكل هزلي يدل على مدى تردّي الواقع الثقافي في مجتمعاتنا.

وبذلك تكون الفجوة كبيرة وتصنع صورة مغايرة للواقع تكاد تكون العكس تمامًا فليس من العقل أن نحكم على الشخص من يومياته على "فيس بوك" وليس من الإنصاف أن نصدر أحكامًا على من لم نتعامل معه في أرض الواقع الذي قد يُدهشك تمامًا، فقد قال أرسطو: "تحدث حتى أراك". ولم يقُل: "انسخ الكلمات وانشرها كالببغاء يعرَفك الناس".

وثمة فئة لا تظهر إلا في إطار التندُّر والضحك، لا لشيء إلا لأنها قد أُصيبت بهوس السخرية المستمر -وإن بات سخيفًا- فالأمر يتناقل فيما بينهم تكرارًا في شكل رديء، يثير الاشمئزاز في النفس، فأصبح الكثير ممَن غُيبوا في ظلام "العالم الأزرق" المُكرَّر يتداولون كلمة بعينها أو جملة لفترة زمنية حتى تختفي ويظهر غيرها كجملة: "على وضعك"، "حبيبي تسلم " ظاهرة هي دليلٌ أكبر على مدى تَدني الوعي بالثقافة والمستوى التعليمي في العالم العربي عامةً ومصر خاصةً.

ولكن ما الحل؟

الحل -سلمك الله- في جدولة الأمور وترتيبها على النحو الطبيعي تمامًا وهو الاتجاه وسطًا، فيصبح للواحد منّا نصيبه في الجانب الثقافي والجانب الاجتماعي والديني والترفيهي على النحو الذي يتماشى مع واقعه دون تغيير وتزييف، فنكون من بني آدم حقًا، نخطئ فنتعلم ونصبح أكثر عقلًا وتفهُمًا، ونتقبل الانتقاد بصدر رحب ولا نحاول رسم صورة النابغة الذي لا يخطئ أمرًا، والمثقف الذي لا يجهل موضوعًا، والعابد الذي لا يرتكب ذنبًا، فجميعنا بشر، والخطأ والتوبة صميم في فطرتنا، فلا أجمل من أن يُعبر الإنسان عمّا يشعر به دون قيد أو عناء!