قارنت معظم الدراسات الإنسانية التي تفحص الفروق بين الجنسين في الألم المبلغ عنه عدد النساء بعدد الرجال الذين يعانون من حالة معينة، والذين يقولون إنهم يعانون من الألم، ولكن معظم الباحثين لم ينظروا في مدى شدة الألم، ولم تتضمن الأبحاث ما يكفي من الناس ليتمكنوا من اكتشاف الاختلافات بين الجنسين في حجم الألم، حتى أشارت دراسة حديثة إلى أنه عندما تمرض المرأة فإن ألمها قد يكون أشد من ألم الرجل.
نشرت الدراسة في Journal of Pain، وتضمنت معلومات من أكثر من 11000 مريض، وتم تسجيل درجات الألم في السجلات الطبية الإلكترونية في مستشفى وعيادات ستانفورد بين عامي 2007 و2010. وقد طلب الباحثون من المرضى تقييم آلامهم على نطاق من الصفر (بدون ألم) إلى 10 (أسوأ ألم يمكن تصوره). وبشكل عام، قام الباحثون بتقييم الفروق الجنسية في الألم المبلغ عنه لأكثر من 250 مرضا وحالة.
أبلغت النساء عن ارتفاع متوسط درجات الألم لديهن عن الرجال في كل تشخيص تقريبا، فوفقا للدراسة، كانت نسبة النساء أعلى بنسبة 20% من الرجال. وأفادت النساء المصابات بألم أسفل الظهر والركبة والساق عن نتائج أعلى من الرجال.
وأبلغت النساء أيضا عن شعورهن بألم أكبر في الرقبة والجيوب الأنفية أكثر من الرجال، وهي نتائج لم يتم العثور عليها في بحث سابق.
وقال الباحثون إنه عبر عدد من الأمراض المختلفة، بما في ذلك مرض السكري، والتهاب المفاصل، وبعض التهابات الجهاز التنفسي، أبلغت النساء في الدراسة عن شعورهن بألم أكثر مما عبر عنه الرجال.
تعد هذه الدراسة واحدة من أكبر الدراسات التي تدرس الفروق الجنسية في إدراك الألم البشري، وتتماشى نتائجها مع النتائج السابقة، لتكشف أن الاختلافات الجنسية في حساسية الألم قد تكون موجودة في العديد من الأمراض أكثر مما كان يعتقد سابقا.
كيف نتألم؟
نحن نشعر بالألم عندما تقوم المستشعرات العصبية في الجلد أو العضلات أو المفاصل أو الأعضاء بتسجيل إحساس ضار محتمل، مثل الحرارة أو تلف الأنسجة، حتى ترسل إشارات عبر الأعصاب الطرفية إلى النخاع الشوكي، وتنشط الأعصاب الأخرى التي ترسل إشارات إلى جذع الدماغ، ثم إلى القشرة الدماغية التي تفسر تلك الإشارات بأنها ألم، ليصدر جسدنا ردة فعل سريعة بالابتعاد عن الحرارة أو الأجسام الحادة، أو مسك رأسنا من قوة الصداع.
ويحدث الألم بدرجات عدة ويستمر لمدد مختلفة، وتساهم مسارات كيميائية متنوعة في ذلك، فهناك استجابة حادة لشيء حار أو حاد، وهناك ألم مزمن طويل الأمد قد يستمر حتى بعد الشفاء الأولي من المرض الأساسي. ويمكن أن يظهر الألم المزمن من فرط الحساسية للمحفزات غير المؤلمة في نفسها على خلاف ذلك.
لا يمكن للباحثين معرفة ما إذا كانت النساء، في الواقع، يعانين من الألم أكثر من الرجال. فهناك عدد من العوامل المتداخلة، بما في ذلك مزاج الشخص، وعما إذا كان يتناول دواء كعلاج من المحتمل أن يؤثر في مقدار الألم الذي يعبر عنه ويشعر به، لذا من الصعب للغاية استكشاف أسباب اختلاف درجات الألم عند البشر، لكن القرائن آخذة في الظهور.
فتشير الأبحاث السابقة، بحسب مجلة "نيتشر"، إلى أن هناك عددا من العوامل التي تسهم في حجم الألم، بما في ذلك الهرمونات والوراثة والعوامل النفسية التي قد تختلف بين الرجال والنساء. ومن الممكن أيضا أن تعمل أنظمة الألم بشكل مختلف في الرجال والنساء، أو تعاني النساء من درجات أكثر حدة من المرض مقارنة بالرجال، حتى الآن لا يعرف الأطباء السبب ومصدره.
وقد أرجع الباحثون منذ فترة طويلة الاختلافات الجنسية في الشعور بالألم إلى هرمون الإستروجين، وهو هرمون يتحكم في نمو الرحم والمبيضين والثديين وينظم الدورة الشهرية، بحسب تقرير لموقع "ويب ميد" Webmed.
ويمكن للإستروجين أن يزيد أو يضعف الألم، وهذا يتوقف على تركيزه وموقعه. أما هرمون التستوستيرون، فقد حظي باهتمام أقل من كثير من الباحثين عن الألم، رغم إشارة بعض الدراسات إلى أنه يمكن أن يقلل الألم، وبعض الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن يشعرون بتحسن مع علاج التستوستيرون.
لكن هناك تشكيك في تأثير الهرمونات والخلايا المناعية على اختلاف درجات الألم، فعلى سبيل المثال، اكتشفت سارة لينستيدت، عالمة الأحياء في المركز الطبي بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، تلميحات إلى أن بعض النساء قد يكون لديهن استعداد وراثي للألم المزمن. فقد حدد فريقها مجموعة من جزيئات الحمض النووي الريبي في مجرى الدم، التي من المرجح أن ترتفع عند النساء اللاتي يصبن بألم مزمن في الرقبة أو الكتف أو الظهر.
مع هذه النتيجة وما ننتظره بعدها أصبحنا نحتاج إلى أدوية مختلفة لتسكين الألم لدى الإناث بخلاف أدوية الذكور، فاليوم تقدم سوق المستحضرات الصيدلية الأدوية نفسها المضادة للألم للجميع بنسب ثابتة، ولكن إذا كانت جذور الألم مختلفة فمعنى ذلك أن المسكنات تؤدي دورها مع الذكور، ولا تؤديه مع الإناث.
ينتظر بعض الأطباء أيضا أن تختلف المسكنات عندما تتقلب مستويات الهرمونات عند الإناث على مدى حياتهن، حتى أن بعضهم يرى عدم الاكتفاء بجنس الشخص لتحديد قوة المسكن، بل الاعتماد على مجموعة من الخصائص تتضمن العوامل الوراثية والنمو التشريحي ومستوى الهرمونات، والتي قد يؤثر كل منها في احتياج الشخص لعلاج ألمه.
وركز الأطباء أيضا على اعتماد معظم الدراسات على الجنس البيولوجي فقط، وليس النوع الاجتماعي النفسي، الذي لا يتطابق بالضرورة مع الجنس. وتنبأ إيان تشيسيل، رئيس قسم العلوم العصبية في أسترا زينيكا في كامبريدج بالمملكة المتحدة، بأن أدوية الألم المستقبلية ستُصمم خصيصا للأفراد، وأن الجنس سيكون عاملا رئيسيا في تلك الوصفات الشخصية، "لكننا لا نفهم كيف سيحدث ذلك بعد".