أينما جلت ببصرك على مفارق الطرق في قطاع غزة، ترى السمك الطازج معروضاً للبيع، وكأن سماء غزة تمطر سمكاً، حتى صار ثمن كيلو السردين الذي تشتهيه الأنفس في رام الله عشرة شواكل فقط، ونفس المبلغ ثمن كيلو "المليطة" أو "الطرخونة"، وصار ثمن سمكة "الجرع" الفاخرة التي تزن كيلوجرام أقل من عشرين شيقلاً. كلي وأشربي يا غزة، وقرّي عيناً، وأنت ترين كل الذي كان ممنوعاً عليك قبل سنوات قد توفر بأسعار أقل من أي بلاد على وجه الأرض، ولاسيما تلك الأشياء المهربة من الأنفاق، والتي تصل إلى غزة بلا ضرائب، وعلى سبيل المثال: تشتري غزة السيارات المهربة من مصر وليبيا بأسعار أقل من السيارات الواصلة من المعبر الإسرائيلي، وتشتري الخشب المهرب من الأنفاق بأسعار أقل بكثير من الخشب الواصل من المعبر الإسرائيلي، وتشتري غزة الحديد المهرب عبر الأنفاق بقيمة 3400 شيقل، بينما تشتري الحديد الواصل من معابر (إسرائيل) بمبلغ 4000 شيقل، وقد بلغ سعر طن الأسمنت الواصل من الأنفاق 520 شيقلاً، بينما سعر طن الأسمنت الواصل من معابر (إسرائيل) بلغ 545 شيقلاً. هذا ما أشار إليه مدير اتحاد الصناعات الإنشائية فريد زقوت. وأضيف إلى ما سبق، أن سعر لتر البنزين في غزة 2 شيقل، بينما هو في رام الله 7 شواكل تقريباً، وسعر لتر السولار في غزة شيقل ونصف، وثمنه في رام الله 5 شواكل تقريباً، وثمن علبه السجائر في غزة 8 شواكل بينما ثمنها في رام الله 18 شيقلاً تقريباً. وأضيف: ثمن كيلو الطماطم في غزة أقل من شيقل، وكذلك ثمن البطاطس، والخيار، وبلغ سعر البطيخ إنتاج غزة شيقل لكل كيلو بطيخ، وكذلك البصل والملوخية، والكوسا، وبلغ سعر كيلو اللحمة أقل من 40 شيقلاً، ووصل سعر كيلو الدجاج 9 شواكل. لو سألني القارئ: ماذا تهدف من وراء هذه المقارنة، وهذا الإطراء على حال غزة؟ أقول: كثر حديث المسئولين الفلسطينيين عن الخراب الذي لحق بغزة، وسال دمعهم على أوضاعها الباكية في ظل الانقسام، وحرصوا على الربط بين المصالحة الفلسطينية وبين ملايين الدولارات التي سيحضرونها لتعمير غزة، وكأن غزة خاوية على عروشها، ولم تقم برصف شوارعها في ظل الحصار، وكأن المصالحة إنقاذ مادي للناس، وانفراج حياتي! لقد حرصت على المقارنة بين حال غزة وحال غيرها، كي يعرف القاصي والداني أن غزة تعيش بألف خير، وهي عامرة بإرادة رجالها الحقيقيين، وحاجتها إلى إنهاء الانقسام لا بهدف التعمير، وضخ الملايين، وإنما الهدف من المصالحة هو الحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية، وحماية أرض الضفة الغربية التي تتسرب للمستوطنين، وتعزيز روح المقاومة لدى الشعب الذي عاف الاحتلال، والاغتصاب، وكل من له علاقة ود مع (إسرائيل). وأضيف: لتخرب غزة، ويتقوض بنيانها إذا كان الهدف من المصالحة هو تعمير غزة دون الصلاة ركعتين في محراب المقاومة، لتحرق غزة إذا كان الهدف من المصالحة هو ملايين الدولارات، وليس ملايين الرجال الزاحفة بالكرامة إلى فلسطين، والباحثة عن يافا العربية وصفد المنسية والسوافير، والجورة، وعراق المنشية. ملاحظة ميدانية: لقد بلغت أجرة صالة الأفراح في الليلة الواحدة خمسة آلاف شيقل، أي ما يعادل 1500 دولار!. فهل غزة جائعة للمال، أم ينبض قلبها شوقاً للمحبة، ومعانقة البنادق للرجال؟!.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.