كنت أتضايق وأنا صغيرة من كثرة النكات التي تطلق على أهل الطفيلة، وكنت أعتبرها محض تلفيق وهراء، فبجذوري الخليلية التي تشترك مع أهل الطفيلة في كونهم مادة للتسلية السمجة. أعرف أن الشعوب والقبائل قد تلفق لها سمعة وترسم لها صورة مغايرة تماما لطبيعتهم في واقع الحياة، ومن يرمى بالسذاجة قد يكون نبيه القوم، ومن يرمى بالبخل قد يكون طائي عصره، ولكنه الحسد أحيانا والغيرة أحيانا وتعميم الشاذ على القاعدة هو ما قد يرسخ الخطأ في أذهاننا حتى نظنه حقا! ولكن كبرنا لندرس في كتب التاريخ والجغرافيا أن الطفيلة تعني مدينة الجبال، والجبال ترمز للقوة والصمود وهو ما جعلها تقف بعزة لكل من تعاقبوا على حكمها من أول الأدوميين، مرورا بالأنباط الذين سلموها إلى الرومان إلى أن ورثها المسلمون منهم، وفيها من آثار الفتح الأول مقامات لصحابة كانوا أعلاما في التضحية بأرواحهم فدى للإسلام منهم الحارث بن عمير الأزدي وفروة بن عمرو الجذامي وجابر الأنصاري، ثم عاد المسلمون وفتحوها وحرروها من الصليبيين بعد معركة حطين بقيادة صلاح الدين لتظل حرة الى أبد الآبدين. والحاضر والأجيال الشابة أثبتوا أنهم ليسوا بمنفصمين عن تاريخهم ولا أجدادهم، فالذي رأى صورة رجال الطفيلة الذين أفرج عن بعضهم في إبريل الماضي وهم يسجدون ويصلون لا بد أن يستذكر ما قاله صلاح الدين لجنوده يوم ظن أنهم لا يصلون فقال: «من هنا تأتي الهزيمة»، ويستبشر بالطفايلة المصلين خاصتنا وفي زمننا وفي أردننا الذين أعلنوا أن الله أكبر من كل ظلم وفساد استطال، ويقول: «من هنا يأتي النصر بإذن الله». وما الأمثلة التي لا تعرف إلا لغة النفاق والمزايدات والكنادر إلا زبد جفاء تلفظه الطفيلة وأهلها وتاريخها وحاضرها، وهو بحق كشخص وهم بحق كمجموعة مثله أصلح ما يكونون للسخرية والتندر والسمعة العاطلة. سوف يكتب التاريخ تضحايتكم في صفحاته البيضاء، وستفخر بكم الأجيال، وسيزهو بكم الأردن، أما جلادوكم فسيدخلون التاريخ أيضا من بواباته السوداء الى ذاكرة النسيان، وقد قيل لأحد الأباة: ما فائدة سعيك غير جلب الشقاء على نفسك؟ فقال له: ما أحلى الشقاء في سبيل تنغيص عيش الظالمين. وصلت أصواتكم يا أحرار الطفيلة من داخل السجن وخارجه، فالحر لا تحده زنزانة ورددنا صداها وغنينا معكم أغاني الشجاعة وقريبا بإذن الله سنجني ثمار غرس الإصلاح فإرادة الله نافذة إذا رأى عزما من عباده. ولعل وقود عزمكم وتضحيتكم، وهو أغلى من كل محروقاتهم، يشعل جذوة النفوس الخامدة قبل أن يأتي السكوت على الأخضر واليابس، وما الإصلاح إلا عون من الرب، وكلمة حق، ووقفة صدق، وتضحية غالية. الطفايلة باقون، والطفيليون والمتطفلون على الوطن الى زوال؛ فالأردن أرض الكرامة يمهل ويمد الصبر، ولكن أخذه شديد، ومن نسي فليسأل الأعداء في أي لقاء مرتقب عن بأس رجاله. كتبت مها حياصات: «حينما تحدثون أطفالكم عن قصص الشجاعة والبطولة والرجولة والانتماء، قولوا لهم مرة واحد طفيلي..».
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.