خلال ساعات قليلة نفّذ العدو الإسرائيلي اعتداءيْن على حزب الله، الأول استهدف عنصريْن من عناصره في سوريا، والآخر تمثل بتسلّل طائرتين مسيّرتين لأحد أحياء الضاحية الجنوبية (معقل الحزب) سقطت إحداها وانفجرت الأخرى. قبلها بأيام تم استهداف معسكر للحشد الشعبي وحزب الله في العراق، وقيل إن "إسرائيل" هي التي قامت بذلك. هذه الاعتداءات استدعت تهديداً بالرد من حزب الله، يترقب اللبنانيون و"إسرائيل" والعالم شكله وحجمه ونتائجه.
لكن ما لم يدركه حزب الله، أنه لم يعد بإمكانه إلزام بقية اللبنانيين وشرفاء العالم بالتضامن معه في كل معركة يخوضها، فمعاركه لم تعد مفهومة، ولم تعد تهدف لتحقيق مصلحة لبنان، ولا مصلحة العرب والمسلمين. كما لم تعد اتهامات التخوين والعمالة التي يلصقها جمهور الحزب بكل من لا يهتف "لبّيك يا نصرالله" مجدية ولا منطقية، بل باتت مضحكة.
فالمواجهة لم تعد خافية على أحد، والصورة باتت واضحة، ولم تعد تستحق من أمين عام حزب الله بذل جهد للتورية أو اللفلفة والدوران. فالسيد حسن نصر الله قالها بوضوح، الرد سيكون من لبنان، رغم أن العالم أجمع يدرك بأن المعركة لا تتعلق بلبنان ولا باللبنانيين، وأقصى ما يمكن أن تقوم به الدولة اللبنانية هو المشاهدة على مقاعد المتفرجين، لأنها تدرك أن لبنان تفصيل صغير في هذه المعركة
كما في كل مرة، استنفر جمهور حزب الله لدعم ومساندة وتأييد الحزب في معركته المستجدة مع "إسرائيل"، فأطلقوا على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ "حربك حربنا سلمك سلمنا، سلماً حرباً بايعناك" في إشارة لأمين عام الحزب. لكن كيف لبقية اللبنانيين أن يتضامنوا معهم، فحرب حزب الله ليست حربهم، وسلم حزب الله ليس سلمهم، وهم لم يبايعوا أحداً لا في السلم ولا في الحرب، وليس لطرف أن يفرض عليهم ما لايريدونه.
كل لبناني وعربي وشريف يدين ويندّد ويستنكر كل عدوان تشنّه "إسرائيل" على لبنان أو سوريا أو العراق أو أي بقعة عربية وإسلامية. لكن في المقابل، كيف لهؤلاء أن يتعاطفوا مع حزب الله الذي يقاتل السوريين على أرضهم، وكيف لهؤلاء أن يترحّموا على عناصر من الحزب استهدفتهم "إسرائيل" في سوريا.
تطلّب الأمر مني بعض التفكير لحسم الوصف الذي يمكن إطلاقه على العنصريْن الذين قتلتهم "إسرائيل"، فهل يمكن وصفهم بالشهداء؟ فالقاتل هو العدو الإسرائيلي الذي لا نقاش في العداء له، لكن المقتول ماذا كان يفعل في سوريا، وما الهدف النبيل الذي كان يقوم به هناك، كيف يكون شهيداً وهو يقف إلى جانب نظام ظالم يقتل شعبه، ويقاتل السوريين على أرضهم، بينما هو جاء من وراء الحدود إلى جانب فصائل طائفية أخرى قدمت من العراق وأفغانستان وإيران بذريعة محاربة الإرهاب؟!.
يستطيع حزب الله أن يمجّد قتلاه في سوريا والعراق واليمن كما يشاء، ويستطيع أن يخوّن من يريد، لكن عليه بعد حملة التخوين أن يراجع نفسه وأن يتساءل، هل من المعقول أن جميع الذين لا يطبّلون له هم عملاء وخونة، فقط لأنهم رفضوا أن تكون حربه التي يخوضها في بقاع الأرض حربهم، ويرفضون مبايعة أمينه العام؟!.