11.68°القدس
11.44°رام الله
10.53°الخليل
17.05°غزة
11.68° القدس
رام الله11.44°
الخليل10.53°
غزة17.05°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: إفطار كوبنهاغن

لا تحتاج عواصم أوروبا ومنها كوبنهاغن، إلى مناسبة لاختبار منسوب التسامح مع الأديان باعتبارها ذات مصدر سماوي، فاليمين المتطرف على امتداد الغرب لا يكلّ من التحريض العرقي وإقصاء الآخر باعتباره مُدرجاً على قائمة الأعداء الممكنين . لكن الغرب ليس متجانساً شأن كل البشر، فيه المعتدل الباحث عن مشترك إنساني، وفيه المغالي الذي يصنع من حبّة خلاف قُبّة خُصومة، وكأن العربة يقودها جوادان متناحران، أحدهما يحاول التقدم إلى الأمام والآخر يخطو إلى الوراء، وهذا بحد ذاته أمر مألوف في كل الظواهر التاريخية، لكن الغلبة في النهاية لن تكون بأية حال لمن يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء . برلمان الدنمارك بادر إلى خطوة إنسانية بقدر ما هي عقائدية وهي الدعوة إلى مأدبة إفطار رمضانية يحضرها أعضاء البرلمان الدنماركي وغيرهم من المدعوين، وما إن بادر البرلمان إلى هذه الدعوة حتى فقد اليمينيون رشدهم، إن لم يكونوا قد فقدوه بالفعل قبل هذه المناسبة، فكما للإنسان الفرد سن رشد يبلغها في مرحلة ما من تطوره النفسي والعضوي، فإن الجماعات البشرية أيضاً لها مثل هذه السن وإن كانت متعلقة بالأفكار والوعي أكثر من الجسد . اعتراض اليمين هو على المبادرة بحد ذاتها، بحيث قال أحدهم إن تركيا مثلاً لن تقبل ولن يقبل أردوغان رئيس وزرائها المسلم بإقامة مأدبة تحت قبة البرلمان التركي بمناسبة عيد مسيحي، وهذا بحدّ ذاته يفتضح نمطاً من التفكير الافتراضي الذي يتأسس على ردود أفعال لأفعال لم تقع بالفعل لكنها في نطاق التخيّل . لكن هذه المضادات الأيديولوجية والعرقية لم تُفشل مبادرة البرلمان، فقد تقرر يوم الثاني والعشرين من الشهر الكريم موعداً لإفطار دنماركي، وسواء كانت المناسبة إفطاراً رمضانياً أو سحوراً أو حتى مجرد لقاء يتخطّى الحواجز الثقافية والدينية، فإنه خطوة في الاتجاه الصحيح الذي هو اتجاه التاريخ الذي لا يعود إلى الوراء، ولا يمكن لحفنة متطرفة هنا أو هناك أن تزج البشرية في عصور مظلمة ليكون الصراع بديلاً للحوار، فما أنجزته الحضارات خلال ألفياتها السّبع ليس مجرد سطور كتبت على الماء أو الرمل، إنه محفور في تضاريس العالم وتضاريس الوعي البشري، ولديه من الأطروحات المدججة بالعلم وإبطال مفعول النظريات العنصرية ما يكفي لأن يدافع عنه . ولأن المكان الذي دار فيه السجال على مائدة إفطار في برلمان هو الدنمارك، فإن الحكاية يصبح لها بعد إضافي بعد تلك الفترة العصيبة العجفاء التي شهدت اعتداءات سافرة على رموز دينية خالدة . لقد جرّب العالم وهو يسعى إلى إحلال الحوار مكان الصراع أن يهيئ لقاءات فكرية بين النخب من مختلف الأديان والثقافات، لكن ذلك الحراك المحدود وشبه الرسمي بقي بعيداً عن الشارع وعن هواجس الناس العاديين، خصوصاً هؤلاء الذين تلاعبت الميديا بعقولهم وصاغت لهم وعياً مضاداً حتى لأنفسهم ومصالحهم الخاصة والوطنية . إن الصيام سواء كان في الدنمارك أو الصومال يبقى هو ذاته، بأهدافه ورسالته رغم اختلاف طقوسه . ونجاح هذه المبادرة، رغم وفرة المصدات العنصرية التي حاولت إفشالها، يعني أن العالم المتحضّر يحاول الفكاك من الكمائن التي أعدت له حتى لو كانت بالغة الإحكام .