11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
16.64°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة16.64°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

طرابلس المحرومة.. عروس الثورة اللبنانية

533 (1)
533 (1)
أواب المصري

خلال التظاهرات التي عمّت المناطق اللبنانية، تصدّرت مدينة طرابلس دون غيرها المشهد فتسيّدت الحراك الشعبي. بروز اسم المدينة هذه المرة لم يرتبط باكتشاف خلية نائمة لتنظيم داعش، أو ضبط أسلحة في أحد منازلها، إنما ارتبط بصورة راقية قدّمها أبناء المدينة للحراك الشعبي، فباتت قبلة اللبنانيين ومعهم وسائل الإعلام.

ما ساهم في بروز المشهد الطرابلسي هو انزلاق بعض الساحات اللبنانية الأخرى لمستوى من السفاهة والسطحية والشتائم الغير مبررة، فتحوّلت لما يشبه نواد ليلية في الهواء الطلق، فتمايلت الراقصات، ورُفعت لافتات بذيئة، وترددت ألفاظ تحرص الكثير من العوائل اللبنانية على حماية أبنائها من سماعها، فكيف بتردادها. في حين كان المشهد في طرابلس مغايراً. احتشاد عشرات الآلاف في ساحة واسعة يتوسطها لفظ الجلالة اسمها "ساحة النور"، أتوا من مختلف المناطق من داخل المدينة وخارجها، من كل الأعمار، كثير منهم أتوا عوائل كاملة، أب وزوجة وأبناؤهم. لا سباب لا شتائم لا إساءات شخصية، منصة إعلامية مركزية تقود الهتافات والأهازيج والأغاني الثورية، شاركت فيها فرقة كورال الفيحاء التي نالت جوائر عالمية، وكبار الفنانين والإعلاميين الذين قصدوا المدينة وأطلوا على أهلها، الذين يهيّصون، يغنّون يتمايلون ويرددون الهتافات رافعين القبضات والأعلام اللبنانية دون غيرها.

الصورة المشرقة في عاصمة الشمال لاتقتصر على الاحتشاد والتظاهر كل يوم، بل تُستكمل خارجها بفريق من عشرات المتطوعين، أطلقوا على أنفسهم اسم "حراس المدينة"، جعلوا وظيفتهم حماية الساحة من تسلّل المندسين، واحتواء أي إشكال قد يقع فيها، عدا عن تنظيف المكان والحفاظ عليه. كل ذلك يتمّ بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وبلدية المدينة. كما تمّ تجهيز مستشفى ميداني في إحدى زوايا الساحة، لمعالجة من قد يصيبه عارض صحي من الإعياء والتعب. أما تأمين الطعام والشراب للمتظاهرين، فمطاعم طرابلس ومتاجرها تتنافس في تقديم ما تستطيع كل يوم من وجبات غذائية، وسندويشات ومياه ومرطبات.

للصورة المشرقة التي قدمتها مدينة طرابلس للبنانيين والعالم جانب آخر أقل إشراقاً. فطرابلس مدينة محرومة موجوعة، تعيش شريحة واسعة من أهلها في فقر مدقع، وشريحة أخرى تعيش كفاف يومها، رغم أن أثرى أثرياء لبنان هم من المدينة.

طرابلس المحرومة ينقطع فيها التيار الكهربائي 12 ساعة في اليوم، فيرتب أبناء المدينة تحركاتهم ومواعيدهم وزياراتهم وحياتهم تبعاً لموعد انقطاع التيار الكهربائي. طرابلس التي يطلق عليها أبناؤها اسم "أم الفقير" الوحيدة في لبنان التي يفطر أبناؤها على "منقوشة زعتر" بخمسمائة ليرة لبنانية، أو كعكة بجبنة ساخنة بألف ليرة، أو صحن فول بألفي ليرة. طرابلس الوحيدة التي تتفاوت كلفة سيارة الأجرة حسب الجهة المقصودة، وما إذا كانت الطريق صعوداً أم نزولاً.

طرابلس المحرومة هذه، تباهى ذات يوم وزير الداخلية أنه اعتقل المئات من خيرة شبابها وعذّبهم لانتزاع اعترافات منهم دون أن يسمع صوتاً معترضاً على ما يفعل. طرابلس التي شهدت معارك عسكرية مدمرة بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم فتح الاسلام في مخيم نهر البارد المتاخم لها. طرابلس التي شهدت جريمة تفجير مروّعة لمسجدين فيها، فسقط عشرات الشهداء من أبنائها.

التظاهرات الشعبية التي تشهدها طرابلس، قدّمت للبنانيين والعالم ثورة حلوة، جميلة، مثقفة، واعية، وأعطت رسالة أن أبناء المدينة يحبّون الحياة لكن بكرامة، في المقابل، أزاحت صورة قاتمة مشوّهة، رسمها البعض للمدينة، ساهمت فيها وسائل الإعلام وبعض من في السلطة.