الصور التي بثت صباح اليوم الثلاثاء 23/8 لسيف الإسلام القذافي طليقاً في طرابلس لغز كبير. كان فيما يبدو داخل منطقة باب العزيزية في حالة معنوية عالية وهو يقول للصحفيين إن طرابلس تحت سيطرة والده وهو بخير، ثم يضيف لهم بسخرية وابتسامة كبيرة رداً على أحدهم: "طز في المحكمة الجنائية (الدولية)" ثم يتوجه إلى سيارته طالباً من الصحفيين أن يتبعوه في جولة بشوارع طرابلس. لا أحد استطاع ايجاد حل لهذا اللغز والأسئلة الكثيرة المتعلقة به. هل خدع العالم كله خلال اليومين الماضيين. هل ضحك القذافي على وكالات الإستخبارات العالمية، أم أن سيف الإسلام قبض عليه فعلاً واستطاع الهرب، والوصول إلى الفندق الذي يقيم فيه مراسلو وكالات الأنباء عبر نفق يصله بباب العزيزية. أحد الذين تحدثت إليهم قناة "العربية" فجر اليوم وهو من الجبهة الوطنية للإنقاذ بمصراته قال:" إن هناك أنفاقاً يصل بعضها إلى عمق 4 كيلو مترات تصل باب العزيزية بأربع فنادق على الأقل، لكنه شكك في أن الصور حديثة"، إلا أن معلومات القناة قالت:" إنها التقطت منذ عدة ساعات". الليبي "ابراهيم قويدر" قال :"إن الصور التي تظهر أنها من باب العزيزية. ملتقط الفيلم مصور بوكالة"الاسوشيتدبرس" اسمه اياد أحمد قال:" إن هذه الصور أخذت لسيف الإسلام قبل 4 ساعات، وكان يتحدث في حوالي الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت دبي، الثانية بتوقيت القاهرة". وكالته ذكرت "أن الصور من باب العزيزية"، كما بثت صور جديدة يهتف فيها أنصار القذافي له ولليبيا. صحيفة "الفيجارو" نقلت عن أحد الثوار أنه "تم اعتقال سيف الإسلام لكنه هرب". مراسلو "رويترز وسي ان ان وبي بي سي" أكدوا رؤيتهم لسيف الإسلام الليلة الماضية في الفندق، وقال مراسل "سي ان ان":" إنه التقى به وجاء إلى اللقاء متأخراً". أيضا هرب محمد القذافي من بيته بعد أن حررته كتيبة تابعة لوالده، ولا يعرف ما إذا كانت والدته وزوجته وأطفاله هربوا بمعيته أم لا. اللغز كبير خصوصاً أن المجلس الإنتقالي والمحكمة الجنائية الدولية أكد مراراً القبض على سيف الإسلام في أحد الفنادق، فهل كان ذلك الشخص شبيهاً به أو مزوراً؟! وحتى نجد إجابات على تلك الأسئلة، فإنني أعرج على المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس المستشار "مصطفى عبدالجليل" رئيس المجلس الإنتقالي الليبي نموذجاً رائعاً لإعلاء سلطان العدل والقانون في لحظة التتويج بانتصار كلفته عالية جداً من الشهداء والدماء المراقة والدمار والأموال. في لحظة كهذه تعلو شهوة الإنتقام عند المنتصر، سيما أن المهزوم طاغية في حجم فظاعة القذافي وجنونه وتمسكه بالسلطة إلى حد التضحية بشعبه وجلب كتائب من المرتزقة لقتله واغتصاب نسائه إمعاناً في الإهانة والظلم. لكن "عبدالجليل" تحلى بأخلاق الفرسان مرتدياً ثيابه كرجل قانون وقاضٍ سابق، معلناً تمسكه بإقامة دولة العدل والقانون، وتقديم القذافي وأولاده ومعاونيه لمحاكمة عادلة، سابقاً منعطفات الأحداث فيما الإنتصار ما زال بكراً في يومه الأول، ليهدد بأنه سيقدم استقالته وينزل من القطار إذا غلبت شهوة الإنتقام وغاب الحكم بالقانون ولم تحترم المؤسسات. لم يكن ذلك فقط عنوان الإنتصار العظيم الذي حققته ثورة شعب مقاتل فتح صدره لصواريخ وقاذفات كتائب القذافي عندما هبّ طلباً لحريته وكرامته يوم 17 فبراير الماضي بعد 6 أيام فقط من نجاح شقيقه المصري في اقتلاع طاغيته، لكن الإيمان طغى على حديثه للصحفيين وهو ينسب هذه النهاية بكل مجرياتها إلى الله سبحانه وتعالى. قبل ذلك بساعات ورغم إبهار الإنتصار والأجواء التي يعيشها المنتصر خصوصاً إذا كان قائداً له، تدخل "مصطفى عبدالجليل" بمجرد سماعه "محمد معمر القذافي" ينطق بالشهادة أثناء اتصال هاتفي من بيته بقناة الجزيرة، لأن هجوما يتم عليه في نفس الوقت الذي يسمع فيه صوت الرصاص بوضوح. تدخل متصلاً بالثوار ليطلب عدم المساس بمحمد وأسرته وفي المقدمة والدته المطلقة منذ مطلع السبعينات من القذافي بعد زواج استمر 6 شهور فقط كان هو ثمرته. أراد الثوار من محمد تسليم نفسه ولكنه رفض، وعندما عرف عبدالجليل أنه يطلب البقاء في بيته، وافقه على ذلك. ترى ما هو المصير الذي كان يمكن أن يواجهه محمد وأسرته في نهاية ثورة منتصرة بالدماء، وثوار قتل والده آباءهم وأطفالهم وبدد ثرواتهم وهلك الحرث والنسل؟! "مصطفى عبدالجليل" بدا طوال اليومين الماضيين كأنه صلاح الدين الأيوبي يبعث من جديد، يداوي عدوه ويسعى لتوفير الأمن والعدل له ويهدد بالإستقالة إذا تخلت الثورة عن محاكمته بالقانون. قال :"إنه يتمنى أن يظل القذافي حياً ليحاكم بالعدل،وأنه ستتوفر له كل أركان العدالة مع أبنائه". شكراً لـ"مصطفى عبدالجليل" هذه الصفحة ناصعة البياض التي يقدمها للعالم وأخلاق الفرسان التي تحلى بها في أجمل وأبهج لحظات القائد المنتصر.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.