11.68°القدس
11.44°رام الله
10.53°الخليل
17.05°غزة
11.68° القدس
رام الله11.44°
الخليل10.53°
غزة17.05°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: سقوط الديماغوجيا الثالثة

نشر في ليبيا قبل أكثر من ثلاثة عقود “الكتاب الأخضر” المنسوب إلى الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي الذي بذل أموالاً طائلة في ترويجه بوصفه دليلاً للنظرية العالمية الثالثة ولما يسمى ب”عصر الجماهير”، فقد استدعى بداية جامعيين أجانب وبخاصة إيطاليين لتوليف عناصر النظرية واستعان من بعد بجامعيين عرب لمزيد من الإضافات ووضع اللمسات النهائية على الكتاب ومن ثم أسس داراً للنشر تحمل الاسم نفسه وتنحصر مهمتها في طبع وإعادة طبع و توزيع الكتاب مجاناً . أما الفكرة فهي ربما تكون مستوحاة في الشكل من “الكتاب الأحمر” ل”ماوتسي تونغ” الذي ينطوي على تلخيص مبسط للنظرية الماوية . وعلى الرغم من المساعي الكبيرة المبذولة لترويج “الكتاب الأخضر” فإنه لم يصادف نجاحاً يذكر، علماً أن القذافي استدرج إلى ليبيا مؤتمرات للنخبة العربية والعالمية لبحث “نظريته” ومنحها زخماً عربياً وعالمياً واستعان بنقاد وصحافيين كانوا يدلون بآراء أو يكتبون عنها مقالات مدائحية باردة غالباً ما تسيء إلى النظرية المذكورة بدلاً من أن تزيدها احتراماً وجدية . وينسب إلى قادة يساريين لبنانيين وفلسطينيين مؤيدين للزعيم الليبي أنهم كانوا أثناء زياراتهم لطرابلس الغرب وكي يطردوا الضجر الناجم عن طول الانتظار قبل لقاء العقيد يستخدمون أغلفة “الكتاب الأخضر” لتصنيع “لعبة البوكر” ما يعكس تقديراً متدنياً لهذه النظرية حتى عند أقرب حلفاء النظام المخلوع وأصدقائه . ورغم الطابع الكوميدي الذي رافق “النظرية الثالثة” القذافية فهي ما كانت مجردة من كل أساس منطقي وبخاصة في الظروف العالمية التي شهدت ولادتها، وأعني بذلك الحرب الباردة حيث كان الصراع الدولي يتمحور حول نظريتين سياسيتين: الماركسية والليبرالية، وكان العديد من قادة العالم يبحثون عن طريق ثالث أو يفضلون عدم الانحياز لأي من النظريتين، وبالتالي فإن الحديث عن طريق ثالث أو نظرية ثالثة كان منطقياً باعتباره ينم عن رفض لسلطتين سياسيتين ونظريتين في الآن معاً . والظن الغالب أن معمر القذافي استوحى هذه الفكرة مبكراً من الناصرية التي كانت دليله في الانقلاب الذي أطاح النظام الملكي الليبي . ذلك أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان من مؤسسي مجموعة عدم الانحياز وكان رائداً من رواد “النزعة الثالثة” بين الرأسمالية والشيوعية رغم تحالفه الوثيق مع الاتحاد السوفييتي . ولعل “ثالثية” ناصر، إذا جاز التعبير، على هامش العلاقة الوثيقة مع موسكو كانت أشبه ب”ثالثية” الجنرال الفرنسي شارل ديغول على هامش علاقته الوثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي الحالتين ما كان بوسع أي منهما أن يخرج عن أساسيات تحالفه مع القطب الأقرب إليه، وبالتالي فإن الطريق الثالث في الحالتين كان أقرب إلى “هامش للمناورة” للدفاع عن المصالح الخاصة واكتساب النفوذ منه إلى القطبية التي تنازع سلطة موسكو وواشنطن في الساحة الدولية . والراجح أن مبادرة القذافي لتوليف نظرية “ثالثة” تنم عن سوء فهم للأثر الناصري في “عدم الانحياز” وفي “الطريق الثالث”، ذلك أن ناصر لو كان مقتنعاً بوجود مساحة كافية لقطبية ثالثة بين موسكو وواشنطن لربما أوحى لمن حوله بترجمة هذه المساحة إلى دليل نظري يعتد به، تماماً كما هي حال الجنرال ديغول الذي طرد القواعد الأمريكية من فرنسا، لكنه وقف بقوة إلى جانب واشنطن في أزمة الصواريخ الكوبية . ولعل من غير المستبعد أن المبادرة الليبية تنم عن حاجة القذافي إلى دليل إيديولوجي يوفر تغطية لسلطته المطلقة التي بنيت على تفريغ المؤسسات الموروثة من الملكية وتهديمها عبر “الزحف الأخضر” وبوساطة “اللجان الثورية”، فلا شيء أفضل من الفراغ لتسويق الإيديولوجية الذرائعية وممارسة السلطة دون شريك . . أو حتى مستشار أمين . في نهاية الثمانينات انهارت الحرب الباردة ومعها الثنائية القطبية وبالتالي صار على لاعبي الحرب الباردة الصغار أن يعيدوا ترتيب أوراقهم مع الغرب المنتصر في هذه الحرب وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الغربي والقوة الأعظم في العالم، وبالتالي كان على القذافي أن يسلم ما لديه من أسلحة الحرب الباردة في كل مجال، وأن يدفع ثمناً باهظاً لأفعاله وهو ما التزمه صاغراً عبر تسليم عناوين وأسرار المنظمات “الثورية” التي كان يمولها في مختلف أنحاء العالم وعبر التخلي عن مشروعه النووي، ناهيك عن التعويضات المالية الخرافية التي صرفها لذوي ضحايا طائرتي لوكربي و”يوتيا” . أما “النظرية الثالثة” التي سقطت منذ أكثر من عشرين عاماً مع جدار برلين فقد لفها الصمت لأن صاحبها لم يتمكن من تسليمها مع وثائق الحرب الباردة، فظلت عبئاً ديماغوجياً ثقيلاً توارى أمس الأول مع صاحبه دون مجد يذكر في ساحة طرابلس الخضراء .