في أول قمة عربية بعد سقوط نظام صدام حسين في إبريل 2003 ، وقف الزعيم الليبي معمر القذافي ، محذرا الحكام العرب وهو يشير ببنانه إليهم " الدور عليكم " ، بعد أن تركوا الرئيس العراقي آنذاك يصارع حلف أمريكيا وحيدا. حكام العرب قابلوا تحذير عقيدهم لهم بـ"الضحكات الساخرة" ، وكأنهم يقولون له " اللي يلعب من القط يتحمل خراميشه " ، فعرشنا بسلام " ما دما نسمع ونطيع " القط " الأمريكي . أما عن الشعوب العربية ، التي داست كرامتها " بساطير الحكام" ، لم يأت على ذكرها أحد ، ولم يحذرهم القذافي " من ثورتها " ، فيما الفساد أزكم الأنوف والتعذيب والقتل زاد عن المألوف. فتلك الشعوب " خارج التغطية " ، منذ زمن بعيد ، " صمٌ بكمٌ عميٌ " ، لا صوت يعلو فوق صوت "القائد والملك والرئيس" ، عدا عن" المطبلين والمزمرين والمسبحين بحمدهم". وإلا كيف تفسر قولة رئيس تونس " أنا فهمتكم الآن " وقولة مبارك " أنا أعي مطالبكم " ، لشعوبهم التي ثارت ضدهم بعد عقود حكم عجاف ، أين كانوا من شعوبهم طيلة هذه المدة . بل إن القذافي لم يقصد نفسه بالتحذير - قال عليكم ولم يقل علينا- ، فهو الذي قدم بلاده "لقمة سائغة" للغرب والأمريكان ، ولما ثار عليه شعبه ، تساءل عن هويتهم " من أنتم " ، هم " الجرذان " و"المأجورين الواقعين تحت تأثير الحبوب المخدرة ".هكذا الليبيين في نظر " ملك الملوك" ، ليسوا شعب بل "حشرات وحيوانات". وعجيب أمر العقيد، أنه عاب على كل من الشعب المصري إسقاط نظام مبارك ، ونظيره التونسي إسقاط نظام بن علي ، ولم يعب على الرؤساء إذلال شعوبهم لسنوات كان همهم إرضاء الأعداء مقابل الحفاظ على كرسي الحكم ، حكم الفرد والعائلة والأصهار والأقارب ، فيما الشعوب تصارع من أجل البقاء. ولعل "القبضة الأمنية الحديدية" كانت صمام أمان لهؤلاء الرؤساء ، لذلك لم يخافوا شعوبهم التي كانت " كالنار تحت الرماد " ، تتحين الفرصة " لتحرق " ، عرش من أفسدوا البلاد والعباد. وبعد سبع سنوات من تحذير القذافي ، تحرك الرماد وهبت النار ، وأتت على عرش تونس أولا ، ثم مصر التي استبعدت أن تأتيها رياح التغيير وتلتها نار في اليمن أحرقت الرئيس وحاشيته إلى أن سارت عجلة النار الملتهبة إلى القذافي ، فوقع المحظور الذي حذر منه و بتدخل أمريكي مباشر على عكس من سبقوه ، فأيقنوا اليوم أن هناك شعبا له صوت ومطلب. وتواصل عجلة التغيير مسيرها دون توقف ، ومع انفراط عقد " الكبار " ، فلا بد أن يسقط " الصغار " ، وإن أخذ بعضهم من الأسد اسما ، فلا المسميات تنقع ولا الشعارات الخداعة تفيد ، مع شعب اشتم عبير الحرية ولن يغادر ميادينها حتى ينالها وإن كان الثمن عذاب وقتل ودماء.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.