(1) تاريخ آدم عليه السلام في الملأ الأعلى
ما هي قصة وجودنا وحكاية خلقنا؟! نعم من هنا كانت البداية (إني جاعل في الأرض خليفة)، لنتابع ذلك من خلال آيات الله الكريمة في كتابه العظيم التي فصلت لنا ذلك:
قال تعالى: (والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها، ويخرجكم إخراجا) (1) ، وقوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخركم تارة أخرى)(2).
وهذا العلم إخبار عن مصدر طينه آدم عليه السلام، ثم أعلم الله الملائكة بخبر خلق آدم.
قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون)(3).
ثم خلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها، ورفع مقامه وقدراته في العلم والتعلم المباشر من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: *(وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال يا آدم أنبئهُم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)(4).
وبعد أن أكرم الله آدم بالخلق القويم، وعلمه من العلم ما ينفعه ويجعله قادراً على التميز، أرادت حكمه الله سبحانه أن تكشف أمرا مكتوما في نفس إبليس، فجاء أمر الله للملائكة بتكريم آدم والسجود له، وهو سجود طاعة لأمر الله، يكشف غيظ إبليس وحسده لآدم حين رفض السجود، وأعماه حسده لآدم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، والخضوع لأمره *(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)(5)، وجاء أمر الله سبحانه وتعالى إلى آدم بالسكن في الجنة، وحذره من عداوة الشيطان، وطلب منه الامتناع عن الأكل من شجرة محددة، فأزله الشيطان فأكل من الشجرة، ووقع فيما حذره الله منه، *(وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكُلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه)(6)، وقع آدم في الخطأ، وندم على ما حصل منه، وتاب إلى الله فتاب الله عليه، وجاء أمر الله بخروج آدم من الجنة، ونزوله إلى الأرض، وبذلك انتهى تاريخ آدم في الملأ الأعلى.
(2) تاريخ آدم عليه السلام في الأرض
بداية التاريخ بـ(الإنسان النبي)
وهكذا انتهت تلك المرحلة، ليبدأ آدم وزوجه وذريته تاريخاً جديداً على الأرض يحقق فيه خلافته في إعمارها قال تعالى:
*(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)(7).
*(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم)(8)
*(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، وإن من أمه إلا خلا فيها نذير) (9).
*(قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(10).
وعندما قضى الله أمره بهبوط آدم وزوجه عليهما السلام إلى الأرض، كان ذلك إيذانا ببدء التاريخ البشري على وجه هذه الأرض، ومع قدوم هذا الضيف الكريم التائب أبوالبشرية (آدم وزوجته عليهما السلام)، حيث أُخرجا من الجنة وعالم الخلود والسرمدية، وأُهبطا إلى عالم الزمان والمكان في الأرض، حيث جعل الله منها موطنا مؤقتا لآدم وذريته قال تعالى: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)(11)، وبذلك أصبح الجنس البشري أسيراً (للسنن الكونية) التي تحكم الأرض ومؤثرات الحياة عليها، بعد أن حُجبا عن (عالم الجَنّة)، وطنهم الأول، وهكذا التقت في حياة آدم عليه السلام وعقله تجربتان من عالمَيْن مختلفين، هما: تجربته في (عالم الغيب)، حيث التعليم والتكريم والاختبار والجنة والإغواء من الشيطان والخطأ والتوبة وقبولها وصدور الأمر بهبوطه إلى (عالم الشهادة)، ليكون هو وذريته خلفاء في الأرض.
نبحث عن بداية التاريخ على وجه الأرض لأهميته في تفسير الحياة، وكيف بَدأ الخلق، وهو أمر رباني للإنسان، بالبحث عن بداية التاريخ لقوله تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) (11)