13.34°القدس
13.1°رام الله
12.19°الخليل
16.87°غزة
13.34° القدس
رام الله13.1°
الخليل12.19°
غزة16.87°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: حتى لا تتكلس المفاصل الدعوية

من الأمراض الشائعة لدى البشر مع تقدم العمر مرض التكلس calcification وهو جفاف أو تلف يصيب الأنسجة الغضروفية و المفاصل نتيجة ترسب الكالسيوم، و يحتل هذا المرض المرتبة الثانية في لائحة الأمراض التي تعيق الحركة بعد أمراض القلب و الشرايين، و رغم أن الطب عجز عن شفائه تماما إلا أنه تم اكتشاف أدوية تساعد في استعادة الحركة الطبيعية للمفصل المصاب بالتكلس قبل اللجوء إلى التدخل الجراحي باستبدال المفصل المصاب تماما. و يبدو أن هذه الأمراض العضوية انتقلت من البشر و أجسامهم إلى حياتهم و أعمالهم و يبدو أن الحركات الإسلامية و الدعوية من الأوساط التي تعاني من هذا المرض متمثلا بشيخوخة و كبر أغلب الصف القيادي الذي يستأثر بأغلب المواقع القيادية و مواقع صنع القرار مع استثناء العنصر الشبابي المحرك و تأخيره إلى الصفوف الخلفية, مما أدى إلى بحث الشباب المبدع المنطلق ,عن محاضن أخرى تفهم لغتهم و تقدم وجودهم و تحتضن تحفزهم و توظف طاقاتهم في غير السمع و الطاعة فقط! و أعتقد أن بيان أهمية الشباب و النساء و غيرهم من الطوائف المهمشة في الحركات الإسلامية أمر تجاوزناه, فالزمن ما عاد يسمح بالبقاء في خانة التنظير و الأقوال و إقناع المخالفين و المتشككين ببداهة و رجاحة الأمر, كتابا و سنة, فهذا أمر أنجزناه و كُتب فيه في سنوات مضت و الآن جاء دور العمل و وضع الكلام موضع التنفيذ, بالذات أن الواقع أملى و فرض وجودهم الفعال دون استئذان أو انتظار، إلا أن الحركات الإسلامية في بعض الدول المؤهلة للتغيير و في دول أخرى استقرت أمور ثورتها و انتقلت لبناء الدولة ما زالت تنحي الشباب و النساء عن مواقع القيادة ,و ليس لديها خطة استراتيجية في صناعة القيادات و إحلال العناصر الشابة بسهولة و سلاسة و تدرج ,دون إحداث فجوة مكان القيادات التي تقدم بها السن ووجب تنحيها طواعية, لتكون في مجلس حكماء و مستشاري الحركة ,حتى إذا ما جاء قدر الله على العباد تجنبنا مشكلة الفراغ القيادي, وفراغ السلطة بسبب عدم تأهيل الصف الثاني لاستلام الموقع، و المشكلة أن التأهيل إن وجد يكون جزئيا غير مكتمل لا يوفر احتياجات و مهارات منصب القيادة العليا! كما تعاني الحركات الإسلامية أحيانا مما تعاني منه المؤسسات الحكومية و السلطوية من تدوير النخب السياسية في المواقع القيادية العليا ,فالأسماء و الشخصيات ذاتها تنتقل بين موقع و آخر، فإذا نظر الشباب إلى أعلى لم يجدوا شخصية و لا خطابا يمثلهم ,وأن دورهم ينحصر في التنفيذ لخطط رسمها غيرهم ,مما أدى إلى تسرب الكثير من الشباب الأفذاذ الذين تربوا في المحاضن الإسلامية و لم يجدوا من يحتضنهم بعد أن كبرت مداركهم و طاقاتهم و أحلامهم و مشاريعهم ! وقد يقول قائل إن سن الشباب مختلف عليه ,مما يؤهل الخمسيني و الستيني أن يكون شابا و يستمر لسنوات في موقع القيادة دون تغيير ,غير أن معطيات و متطلبات العصر التقني و الرقمي و التكنولوجي تقتضي بالضرورة تقديم الشباب في ذروة و أوج شبابهم العشريني و الثلاثيني و الأربعيني عملا باكتمال الرشد و القوة إلى المواقع المتقدمة, و عدم الاكتفاء بهم كرديف قوي و في ذلك يؤكد الفيلسوف الإسلامي الداعية محمد أحمد الراشد في كتابه تنظير التغيير أن الشباب، الرقمي تحديدا بوصفه الجيل الجديد، هم رأس الانتفاضة في ثورات التغيير من خلال اندفاعهم الذاتي, و يلوم الحركات الإسلامية لعجزها عن صناعة و تربية مثل هذا الجيل, و يضيف أن "الأمر سيكون أكثر اتقانا و عمقا ,ونحوز رضا الشباب و طاعتهم و تكميلهم لجيل الكهول و المخضرمين في انسياق رائق و نعومة, ولأغراهم الأمر أن يلبثوا في الصف, و لكن شاء الله أن تستقل عن الدعوة عناصر هي في غاية الفاعلية و الذكاء و الجرأة و المبادرة الجسورة". و هذا لا يعني أن ندفع بشباب غير مؤهل, و إنما يكون الاختيار للأكفاء، بناء على أسس و معايير تتجاوز التزكية الشخصية، ممن لديهم الأرضية العلمية و الدعوية و الخبرة و المهارة و الدافعية و القبول، و العمل بذاته أكبر مؤهل و الخبرة التي تُكتسب في الميدان لا تُكتسب بقراءة آلاف الكتب و الاستماع للمنظرين ,و لا يمكن التذرع بعدم استكمال الشباب لشروط الكفاية فهذا قدح في القيادات بالدرجة الأولى التي لم تؤهل غيرها و كأن المناصب و الكراسي تدوم في الحركة الإسلامية كما تدوم في غيرها! و إنما يكون التأهيل استباقيا و حاليا فيتعلم الشباب العلم و العمل معا. و هذا لا يعني بحال من الأحوال وضع القيادات و شيوخ الدعوة على الرف. فليس من طبيعة التربية في الحركات الإسلامية و لا من طبيعة أفرادها العقوق و إهمال تاريخ و حاضر العاملين الذين ضحوا بالدم و العرق و الجهد و المال ,في سبيل أن تصل الدعوة إلى الشباب و لها من الرصيد الخير في نفوس الناس ,ليبنوا عليه و يكملوا و لكن أدوارهم ستختلف و تكون في باب الاستشارة و التقييم و العودة إلى التربية التي يحتاجها الشباب حتى يتوازن أداؤهم. و كما أننا ننهى عن الكبر و تضخم الذات الشبابية و عقوق الكبار فإننا ننهى كذلك عن عقوق الشباب كما ورد في الحديث "أعينوا أولادكم على البر من شاء استخرج العقوق من ولده" و رحم الله أبا أو قائدا أو رمزا أعان أفراده على طاعته, و في ذلك يقول الراشد في كتابه منهجية التربية "إذا لم تتحدث مع الجيل الإسلامي الصاعد بنفس اللغة العصرية التي يستخدمونها فسيقاطعك و ينشغل عنك، اقسم بالله أن التطور واجب يا من لا تقتنع إلا بقسم" كما أن على الشباب أن لا يغتروا بقدرتهم و لا يظنوا أن جهاز كمبيوتر و موقعا اجتماعيا هو الذي جاء بما لم يأت به الأولون من الثورة و التغيير, فقد جاء جهد الشباب و إضافتهم مكملا لسنوات من غرس الأوائل و كانوا هم الفتيل الذي أشعل وقود التنوير و الإصلاح الذي وفره عكاشات الحركة الإسلامية ,الذين سبقوا الشباب كما سبق من قبلهم عكاشة بن محصن الصحابي كثير من الصحابة في دخول الجنة، و فضل من سبق لا يُنكر كما هو فضل من صدق و التواضع و خفض الجناح و الاستيعاب سمات لا بد أن يتحلى بها الشيب و الشباب حتى تسير سفينة التغيير و لا تظل في المربع الأول تتساءل و توثق و تكتب و تنظر عن أهمية دمج الشباب و النساء في العمل الإسلامي! إن معالجة المرض في المراحل الأولى من التكلس يوفر المعاناة و يحرك المياه الراكدة و يمكن الحركة أن تقطع سباقات تتابع ماراثونية بآلاف الكيلومترات و مئات السنين و الراية تنتقل من ثقة إلى ثقة إلى ثقة، أما الإنفراد بفرد أو مجموعة و كأن الحركة الإسلامية غير ولادة سيفاقم المرض و لن نشعر إلا والناس يتسربون من بيننا, وتتكلس المفاصل الدعوية عن الحركة و الفاعلية في هذه المرحلة المفصلية من حياة الأمة! أصعب ما يمكن أن نسمعه عن الحركة الإسلامية من أفرادها شكواهم أن الحركة لم تعد ترضي و تلبي طموحاتهم و أنهم لا يجدون أنفسهم في صفوفها! و بعض الشكوى صحيحة و كثير من الدواء بأيدينا.