23.32°القدس
22.76°رام الله
22.19°الخليل
23.15°غزة
23.32° القدس
رام الله22.76°
الخليل22.19°
غزة23.15°
الأحد 19 مايو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.23دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.03يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.23
جنيه مصري0.08
يورو4.03
دولار أمريكي3.7

خبر: مات اليهودي

يروي نظام الملك الطوسي في كتابه "سياست نامه" أو سير الملوك، والمتخصص في نصح الحكام والساسة، أن والي العراق في خلافة عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص قد أقدم على تعيين يهودي مسئولاً عن جباية الأموال في سواد بغداد وواسط والأنبار وتلك النواحي إلى تخوم خوزستان والبصرة، وأن هذا المسئول اليهودي قد تطاول على المسلمين وأساء معاملتهم، فكتبوا إلى الخليفة عمر يشكونه، ويطالبون بعزله، وتعيين رجل من المسلمين، ولما قرأ أمير المؤمنين الرسالة قال: أيتسنى ليهودي يعيش على وجه الأرض سالماً أن يشعر بالتفوق والفضل على المسلمين؟!، وأمر بأن يُكتب إلى سعد بن أبي وقاص، اعزل ذلك اليهودي، وولِّ عمله مسلماً، ولما قرأ سعد الرسالة بحث بين المسلمين عرباً وعجماً فلم يجد فيهم من هو بكفاءة اليهودي وخبرته، فاضطر إلى إبقائه على رأس عمله، وكتب إلى عمر يقول:" لقد امتثلت أمر أمير المؤمنين، فأحضرت اليهودي، وعقدت مجلساً جمعت فيه كل العمال والمتصرفين في ديار العرب والعجم، فلم يكن في العرب من له دراية بأحوال العجم وشؤونهم، أما عمال العجم فتبين لي بعد استقراء أن ليس فيهم من له كفاية اليهودي ومهارته في المعاملة وحسن تصرفه وإدارته ومعرفته الناس، لقد اضطررت إلى إبقائه في عمله حتى لا يتسرب الخلل إلى شتى أنواع المعاملات، ولكي يستمر تحصيل الأموال، وإني في انتظار أمر أمير المؤمنين"، فلما وصلت الرسالة إلى عمر وقرأها تملكه العجب، فقال: يا للعجب!! يختار غير ما اخترت، ويرى غير ما رأيت! وتناول القلم وكتب في أعلى الرسالة نفسها: "مات اليهودي"، ثم أعادها إليه، ولما تسلم سعد الرسالة، وقرأ توقيع عمر في أعلاها عزل اليهودي فوراً، وعين مسلماً مكانه، وتسلم المسلم عمله، فتبين بعد سنة أن ما أنجز على يد العامل المسلم أفضل بكثير مما أُنجز على يد اليهودي، وأن شؤون العمران قد نمت وازدهرت، حينئذ قال سعد بن أبي وقاص لأمراء العرب: أنعم بأمير المؤمنين عمر رجلاً عظيماً، فقد كتبت في أمر ذلك اليهودي وشؤون الولاية رسالة طويلة لكنه أجابني بكلمتين فكان الأمر كما قال، لا كما كنت أعتقد، ونجانا مما كنا فيه. لقد تأمل نظام الملك هذه الحادثة، وعلق عليها مخاطباً حكام زمانه، والحكام في كل عصر فقال:" إن ما عناه عمر بقوله مات اليهودي، هو هب أن اليهودي قد مات، وكل نفس ذائقة الموت، فالموت بمثابة العزل عن العمل، واعلم أن العمل يجب ألا يتوقف بموت أي عامل أو عزله، بل ينبغي ندب رجل آخر له، فًلِمَ تظل عاجزاً؟!"، وقال:" إن الملك زينته العمال، عمال الخراج، وكبار الجيش، وان على رأس كل العمال والمتصرفين وزيراً، فحين يكون الوزير سيئاً خائناً ظالماً متطاولاً يكون العمال جميعهم كذلك، بل أسوأ، وأكثر خروجاً على القواعد والأصول المرعية، وإذا ما وجد ثمة عامل بارع في إدارة دفة الأمور، أو كاتبٍ أو مستوفٍ أو خبيرٍ في أنواع المعاملات، ممن لا نظير له في المملكة من ذوي المذاهب السيئة والعقائد الفاسدة، من مثل اليهود والنصارى والمجوس وآذى المسلمين واستخف بهم، لحجةٍ في العمل، أو الحساب، فتجب تنحيته ومعاقبته إذا ما تظلموا منه واشتكوا، ولا يغرنك قول شفعائه إنه لا يوجد في المملكة كلها كاتب أو محاسب أو عامل مثله، إن يُنَحَّ عن عمله فإن أضراراً بالغة ستلحق بالمعاملات جميعها، ولا يستطيع أحد أن يقوم بهذه المهمة بعده، إنهم يكذبون، وينبغي ألا يُصغى إلى كلامهم، بل يجب استبدال ذلك الشخص بآخر، مثلما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأكد نظام الملك أن قول عمر:"مات اليهودي" سيظل مضرب المثل في العرب والعجم إلى يوم الدين، "فأنى وُجد عامل يجيد مهنة الكتابة، وله مهارة وخبرة في إدارة الأمور وتصريفها، لكنه متطاولٌ ظالمٌ خبيثُ المذهب، وأريد لهذا تنحيته، فيتصدى شفعاؤه، ومن يحدبون عليه، قائلين: يجب ألا يعزل فهو كاتب ممتاز، وعامل جلد، وليس ثمة من هو أفضل منه، هو في عمله، وأمثال هذا الكلام، فما على الحاكم إلا أن يقول: "مات اليهودي"، فبهاتين الكلمتين تُردُّ أقوالهم كلها وتبطل ويعزل ذلك العامل.