مع مواجهة العالم لفيروس كورونا، تجابه المؤسسة الإسرائيلية الفيروس بظروف سياسية استثنائية، تميّزت بحالة انسداد سياسي أعقبت الانتخابات الأخيرة، التي جرت في بداية هذا الشهر، وعدم وضوح المصير السياسي لنتنياهو وطبيعة الائتلاف الحكومي الذي سينتج عن هذه الانتخابات. في هذا المقال نحاول معالجة التعقيدات التي تحدث مع هذا الواقع السياسي والواقع الصحي، ومراقبة العلاقة بينهما.
حتى كتابة هذه السطور ووفقاً للإحصائيات الرسمية الإسرائيلية فهناك نحو 945 شخصاً مصابون بفيروس كورونا بينهم 20 في دائرة الخطر، حالة موت واحدة، وآلاف الاسرائيليين في العزل المنزلي. تعامل نتنياهو، رئيس حكومة تصريف الأعمال، بيد شديدة في التصدي للفيروس رافقها سياسة تحذيرية لتصل وفق تصنيف البعض للتخويف، لا يمكن الجزم بحقيقتها فمن جهة انتشار الفيروس حول العالم والحالة في إيطاليا وإسبانيا وغيرها تجعل كل دولة تتخوف على مواطنيها وتحاول أن تبعد هذا الشبح عنها، ومن جهة أخرى فإن نتنياهو المحاصر بملفات فساد وغير الضامن لوضعه السياسي عقب الانتخابات والمتمرس في سياسة التخويف يمكن أن يكون بالغ في موجة التحذير والإجراءات وذلك لضمان مستقبله السياسي أو على الأقل استغل حقيقة وواجب الخوف لأجنداته السياسية، وكل ذلك يترافق مع عدم الثقة بين نتنياهو وداعميه من جهة ومعارضي نتنياهو من جهة أخرى.
في واقع الكورونا قام نتنياهو بإعلان شبه إغلاق للبلاد مطالباً الناس بعدم الخروج إلّا للحاجة أو العمل المسموح به مع عقاب لمن يتجاوز هذا القرار، مع إغلاق للمدارس والجامعات، إغلاق لأماكن الترفيه والتسلية، منع التجمعات التي تفوق 10 أشخاص وجعل العمل في المؤسسات العامة وفقاً لنظام حالة الطوارئ، ووصل الأمر لتعقب الناس إلكترونياً من خلال جهاز الأمن العام -الاستخبارات الداخلية- (الشاباك) ويبدو أن حالة الاغلاق العام وحظر التجول مسألة أيام.
في ذات الوقت هناك تأزم في تشكيل الحكومة فمن جهة بيني غانتس حاز على تكليف رئيس الدولة لتشكيل حكومة بعد توصية 61 عضو كنيست عليه (يشمل القائمة المشتركة) ومن جهة أخرى هو لا يريد أن تكون حكومة أقلية معتمدة على النواب العرب، وبنفس الوقت واقع كورونا يجبره لأن يتجه لحكومة طوارئ او وحدة وطنية يمكن أن تقيه من شر مواجهة كورونا لوحده ومن الهجمة الجماهيرية عليه لاعتماده على العرب بحكومته، ولكنه إذا ما قام بذلك فإنه سيتراجع عن موقفه بعدم الجلوس مع نتنياهو في حكومة واحدة ما دامت الاتهامات ضد الأخير بالرشوة والغش ومحاكمته وفقها جارية، وهذا سيكلّفه ثقة الجمهور به. فإذاً يتميز واقع إسرائيل السياسي في ظل الكورونا بعدة أمور:
1. القائد القوي: وضع نتنياهو سياسة مجابهة الفيروس بيده بقوة مع تشاورات مع الجهات المختصة ليعمّق من خلال هذه الأزمة ما عمل عليه لسنوات وهو تسويق صورته كالقائد الموثوق به وصاحب القدرة على إدارة الأمور في إسرائيل.
2. سياسة التصدي الاستباقية: تميّزت السياسة الإسرائيلية لمنع تفشي المرض بالضربات الاستباقية الممكنة، لعدم السماح للمرض بالتفشي والوصول لحالة إيطاليا. هذه السياسة ونجاعتها في مقابل موازنات الوضع الاقتصادي وتغيير نمط الحياة يمكن أن تحكم عليها الأيام، ولكن يبدو أن التوجه كان بعدم المقامرة وتأخير الخطوات (مع أن هناك من يدعي أنه كان هناك تأخر ما). هذه السياسة الاستباقية في التعامل مع الوضع الصحي لها انعكاسات على الوضع السياسي خصوصاً مع تزامنها مع الانتخابات الأخيرة، وهنا ينبع شك البعض في طبيعة هذه الخيارات وأسباب اتخاذ قرارات معينة دون أخرى أو الجدولة الزمنية للبعض منها.
3. سياسة الحذر المضبوط أم سياسة التخويف: لا يختلف إثنان أن انتشار وباء كورونا خطير ونتائجه كارثية. ولكن سيظل السؤال حول حدود المخاوف الحقيقية والأخرى المبالغ فيها في هذا الشأن. وخصوصاً مع بعض التخويفات بموت الآلاف والتي صدرت عن بعض المصادر في وزارة الصحة الإسرائيلية، مقابل بعض التطمينات التي أطلقها الحائز على جائزة نوبل للكيمياء الإسرائيلي البروفيسور مايكل لويت بأنه سيكون متفاجئاً إذا تجاوز عدد الموتى في إسرائيل 10 أشخاص.
4. تقييد الحيز العام والمجال "الديموقراطي": ما ميّز الواقع السياسي الإسرائيلي في إسرائيل هو تقييد الحيّز العام، فمع كل النقد للمؤسسة الإسرائيلية وطبيعتها الاحتلالية وممارستها القمعية تجاه الشعب الفلسطيني ولكن كان هناك حيّز من الديموقراطية داخلها لمواطنيها، خصوصاً اليهود، وهذا الحيّز قد انتُهك في خضم أزمة الكورونا. ولا يخفى على أحد أن الأزمات السياسية وحالات الطوارئ تؤدي أحياناً لتجاوز القواعد الديموقراطية، ولكن ذلك يجب أن يكون محدوداً قدر المستطاع، وهذا ما لم يحدث، فقد قرر نتنياهو وحكومته التعقب الكترونياً لكل مرضى الكورونا بدون إذن قضائي وبدون إشراف برلماني لهذا التعقب، والأنكى من ذلك أن من يقف على رأس ذلك هو الشاباك (الأمن العام أو الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية). إضافة لذلك، فقد قام رئيس الكنيست (من الليكود) بفض اجتماع الكنيست الأول الذي أريد الاطاحة به وإنشاء لجان برلمانية، في سابقة إسرائيلية وكل ذلك في ظل الكورونا والتفات الناس لهذا الوباء. كما أن التداخل الامني والسياسي برز مع قيام الموساد بتحصيل 200000 عينة فحص للكورونا. وأخيراً، فض مظاهرات معارضة لنتنياهو وخطواته وكذلك بحجة الكورونا، مع ترافق ذلك بتقديم حزب الليكود طعون للمحكمة حول نتائج الانتخابات في محاولة لجر الوقت.
5. الاستفادة من المأزق لفوائد نتنياهو الحزبية والشخصية: أزمة الكورونا ساهمت في زيادة شعبية نتيناهو وفي قوة حزبه، وفي آخر استطلاع رأي أُجري البارحة أشارت النتائج لارتفاع شعبية الليكود وحصوله على 40 مقعداً إذا ما حصلت انتخابات جديدة. هذه الأزمة وظروفها الخاصة، استغلها نتنياهو وحزب الليكود اللذين هم بالسلطة الآن لفرض واقع على الأرض وتغيير بعض قواعد اللعبة السياسية كما ورد سابقاً مستفيدين من الخوف وحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد. بنفس الوقت فقد استفاد نتنياهو شخصياً بتأجيل محكمته بتهم الفساد لشهرين مستفيداً من التقييدات التي وضعها هو!
6. ارتفاع في نسبة التلاحم الإسرائيلي: مع كل الأزمات التي تحاصر أي مجموعة، تزداد اللُحمة بين الناس ويتناسون الخلافات والاختلافات، وفي السياق الإسرائيلي قد ساهم هذا الوباء في التجسير بعض الشيء بين الناس والسياسيين على أساس هناك أزمة ويجب التوحد معاً لمجابهتها. وفي هذا السياق يكون كذلك المستفيد الأول نتنياهو الذي يقف الان على رأس السلطة ومجابهة الفيروس بان واحد، وبفضل هذه الأجواء يحصل على دعم (وإن كان على مضض) لأن يستمر بالسلطة ويتقاسمها في سياق حكومة وحدة وطنية، مع أن تحالفه لم يحصل على أغلبية برلمانية.
أخيراً، يمكن رؤية أزمة كورونا التي تعصف بالعالم ومع خطورتها وضخامة التحدي الذي تضعه أمام الشعوب والدول، إلّا أن بعض السياسيين سيحاولون الاستفادة منها لأجنداتهم السياسية وهذا ما يحصل في السياق الإسرائيلي، فهل سينجح نتنياهو بذلك؟ وهل إن نجح سيكون نجاحه على المدى القصير ام على المدى البعيد؟ وهل يمكن أن نصل لتفاقم في الأزمة تفقده زمام السيطرة وتقود لاحقاً لمحاكمته برلمانياً؟ كل هذه الأسئلة ممكنة ولكنها سابقة لأوانها.