ترقب (إسرائيل) تداعيات الثورة السورية، وتخطط لتجنُّب آثارها السلبية، بل لاستثمارها أيضًا. حتى الآن لم تشهد هضبة الجولان المحتل منذ عام 1967م أي تدفق للنازحين السوريين أو الفلسطينيين من سوريا، ولم تُطلَق طلقة واحدة باتجاه الجولان الذي يستوطنه 20 ألف مستوطن يهودي، ومع ذلك تتوقع (إسرائيل) الأسوأ؛ فقد توقع باراك سقوط الأسد في أيام وأسابيع قليلة. وأوصى رئيس الأركان (الإسرائيلي) الجنرال بيني غانتز أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع في (الكنيست) أنه يجب على (إسرائيل) "الاستعداد" لاستقبال لاجئين علويين سوريين محتمَلين في منطقة عازلة، بين هضبة الجولان وسوريا في حال سقوط نظام بشار الأسد. ووصف "غانتز" هذا الإجراء بأنه دفاعي وإنساني في آن واحد. وادعى مصدر عسكري (إسرائيلي) أنه قد تمت تهيئة تلك المنطقة الحدودية قرب منطقة مجدل شمس لاستيعاب لاجئين سوريين بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وحسب المعايير الإنسانية الدولية بهدف منع انزلاق الأزمة السورية إلى داخل (إسرائيل). (إسرائيل) إذًا تعيش حالة قلق وإرباك، وتتحسَّب من تداعيات الأزمة السورية عليها. وهي تحاول الاستفادة من تلك التداعيات بخلق حاجز بشري طائفي ومُلاحَق من الأكثرية السُنّية في سوريا، تمامًا كما فعلت عندما استعملت الرائد سعد حداد في جنوب لبنان منذ عام 1978م. ولكن هل بمقدور (إسرائيل) أن تتحقَّق من علوية النازحين إلى المنطقة التي أعَدّتها أو سوريتهم؟، لاشك أن الأمر في منتهى الصعوبة؛ فما الذي يمنع أن يكون النازحون هم من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين طردتهم (إسرائيل) من أراضيهم في الجليل عام 1948م؟ ! إذا كان هذا هو الحال في هضبة الجولان؛ فكيف هو حال مزارع شبعا والحدود اللبنانية الفلسطينية؟!، ألم يصل آلاف من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان؟!، لماذا لم يتوجه أحدهم صوب أرضه التي طردته (إسرائيل) منها قبل عقود؟!، ولماذا لم تخطط الفصائل الفلسطينية لخلق أزمة لـ(إسرائيل)، ولبعث قضية اللاجئين الفلسطينيين؟! إن كان لدى (إسرائيل) أي حس إنساني كما يدعي غانتز؛ فلماذا لا تسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يهيمون على وجوههم في الأرض، وبأيديهم قرارات دولية بالعودة والتعويض وحق تقرير المصير؟! إن توجُّه فلسطينيي سوريا نحو أراضيهم المحتلة عام 1948م مرورًا بالجولان المحتل أو عبر الأراضي اللبنانية يشكِّل فرصة تاريخية يجب التحضير لها بمنتهى الحرفية والإتقان، وهذه مسئولية القيادة الفلسطينية على اختلاف أطيافها، الأمر الذي يرتِّب نتائج سيئة على (إسرائيل) ويضعها في الزاوية، ويعكس مخططاتها في استثمار تداعيات الأزمة السورية لتنقلب وبالًا عليها، ومصلحةً للفلسطينيين. وإلى جانب ذلك، إن هذه الخطوة التاريخية ستقنع الولايات المتحدة أنه لا يزال بمقدور الفلسطينيين أن يربكوا (إسرائيل) ويؤججوا بؤرة الصراع ويعرِّضوا أمن المنطقة ومصالح الولايات المتحدة للخطر، الأمر الذي سيدفعها إلى صرف النظر عن فكرة تقليص مساعداتها لـ(الأونروا)، أو إلغائها وفق دراسة (الكونجرس) لهذا الأمر قبل بضعة أشهر. قال الله (تعالى): "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" (الأنبياء 18).
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.