لم يخطر في بال الشعب الفلسطيني سنة 1974، حين أقر المجلس الوطني تاريخ 17/4 يوماً وطنياً للوفاء للأسرى الفلسطينيين وتضحياتهم، لم يخطر في بال الشعب بأنهم سيحتفلون سنة 2020 بالذكرى 47 ليوم الأسير الفلسطيني، ولم يخطر في الخيال كل هذا السيناريو السياسي المرعب، حيث انقسم الفلسطينيون إلى اثنين، الأول منسي مخلد في السجون الإسرائيلية لعشرات السنين، والثاني يتغنى ويحتفل ببقاء الأول خلف الأسوار.
ومن مآسي القضية الفلسطينية أنه في الذكرى 47 ليوم الأسير الفلسطيني، يتكرر مشهد الاحتفالات والمهرجانات والخطابات الإنشائية، وكلها تتحدث باللغة نفسها منذ عشرات السنين، لغة تقول: لن ننساكم أيها الأسرى، أرواحنا فداكم، أنتم الأمل، وأنتم طليعة الشعب، وأنتم الحرية والكرامة، وسنبذل الغالي والرخيض في سبيل تحريركم، ولن نتخلى عنكم، والحياة دونكم رخيصة، اسحقوا السجان، وتحدوا القضبان، و انتصروا على ممارسات العدوان، أنتم الصخرة التي تكسرت عليها المؤامرة، وصرخاتكم أرعبت سجانكم، أنتم العمالقة خلف الأسوار، وسجانكم قزم تحت نعالكم.
فهل حررت تلك الشعارات الأسرى الفلسطينيين؟ هل خففت من معاناتهم؟ وهل البيانات الثورية في الذكرى هي أقصى ما يمكن أن يقدم للأسرى؟ أسئلة يطرحها الأسرى في معتقلاتهم، وتلف غرف السجن، وهم مندهشون من حجم تجاهلهم، ونسيانهم، وحالهم يقول: كفى عبثاً بمصيرنا، ومصير أهلنا، نريد الحرية، نريد أن نخرج من السجون، ونعيش مثل قادتنا، وبعضنا قد أمضى أكثر من 39 عاماً خلف الأسوار، وبعضنا قضى نحبه دون أن يرى الحياة، وبعضنا ينتظر، بينما غيرنا بدل مواقفه تبديلا، وتركنا وحدنا وأضل السبيلا.
وللحق، فإن الأسرى في يوم الذكرى منسيون، ولا تخطر حريتهم على بال قيادة السلطة الفلسطينية، ولا أبالغ لو قلت أن السلطة الفلسطينية قد تجاهلت معاناتهم إلا من بعض الأموال التي تقدم لأسرهم، والتي تقدم لهم مصروفات خلف الأسوار، وهذا ما لا يهتم له الأسير، وهذا ما لا يحلم به، فالمال والمصروفات غبش الحياة، وأصل العيش حرية، عجزت السلطة عن توفيرها لستة آلاف أسير فلسطيني وعربي.
وحتى زمن قريب، قبل عشر سنوات ونيف، كانت السلطة تضغط في المناسبات لتحرير بعض الأسرى من ذوي الأحكام الخفيفة، وكانت قيادة السلطة في بداية مشوارها تنجز في كل عام بعض الحرية لبعض الأسرى، ولكن في السنوات الأخيرة، خرج موضوع الأسرى كلياً من دائرة الحديث، وصار من وراء الظهر، وهذا أمر يقهر الأسرى، ويغيظ عوائلهم، ويوجع الشعب الفلسطيني، ويفرض المقارنة بين حركة طالبان التي أبت أن تطبق اتفاق السلام مع أمريكا طالما ظل خلف الٍأسوار أسير واحد من حركة طالبان، فماذا يعني ذلك؟
تأتي ذكرى يوم الأسير هذا العام مع انتشار فيروس كورونا، وهذا الوباء محرض إنساني وسياسي للضغط على الاحتلال كي يفرج عن عدة آلاف من الأسرى؛ ذوي الأحكام الخفيفة دون مقابل، وهذا أمر يسير، ولا سيما ان قيادة الاحتلال الإسرائيلي قد ناقشت فكرة إطلاق سراح ذوي الأحكام المخففة، بقى أن تتحرك السلطة، وتوظف الجائحة من أجل هذه الغاية، وستجد كل الدعم والإسناد من المجتمع الدولي، وهي بذلك تفتح الباب أمام رجال غزة كي يكملوا المشوار من خلال صفقة تبادل أسرى لذوي الأحكام العالية، والمؤبد.