قالت مجلة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية إن السعودية ستواجه أسوأ انكماش منذ عقدين، بسبب انهيار أسعار النفط.
وأضافت المجلة في تقرير موسع أعده كل من فيفيا نيريم وفيريتي راتكليف أن صدمة الأسعار باتت الآن تهدد الكثير من مكاسب الحكومة، وتزيد من صعوبة تمويل المشاريع والاستثمارات لأن 60 بالمائة من الإيرادات لهذا العام كان من المفروض أن تأتي من النفط.
وتنقل المجلة عن خبير اقتصادي توقعاته بانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 3 بالمائة هذا العام فيما يعتبر أول انكماش منذ عام 2017 – والأكبر على الإطلاق منذ 1999. وهو ما سيؤدي بدون شك لارتفاع كبير في البطالة إذ تجد كثير من الشركات صعوبة في البقاء عائمة.
وفي ما يلي النص الكامل للتقرير، من ترجمة "عربي21":
أدى انهيار أسواق النفط إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ووضعها على الطريق نحو أعمق انكماش منذ عقدين.
بينما تخضع لإغلاق شامل بسبب تفشي وباء فيروس كورنا، تستعد المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، لمواجهة الأثر الثاني لتراجع النفط وخفض الإنتاج الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات أجرتها أوبيك وحلفاؤها. سوف يؤدي الاثنان معاً إلى انخفاض حاد في إيرادات الحكومة وبالتالي إلى إحباط خطة التعافي الاقتصادي. وصل سعر خام برنت يوم الثلاثاء إلى 19 دولاراً للبرميل – وذلك ربع المستوى الذي تحتاجه المملكة العربية السعودية حتى تتمكن من معادلة الميزانية – مما ترك المسؤولين أمام خيارات محدودة للتغلب على الألم الاقتصادي دون إصابة المؤسسات العامة بالشلل مالياً.
تقول مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: "لقد غير ذلك كل شيء. فالجزء الأكبر من خطة التعافي يعتمد على أن سعر النفط كان يتراوح ما بين 50 إلى 60 دولاراً للبرميل، مما يساند النشاط الاقتصادي. ولكن تبدد ذلك الآن تماماً".
تمخضت هذه الانتكاسة عن خيارات صعبة أمام ولي العهد محمد بن سلمان. فبعد الهبوط السابق في أسعار النفط، ما بين 2014 و2016، أعلن عن خطة كبيرة للتحول الاقتصادي. وبينما حقق المسؤولون تقدماً كبيراً – من حيث تطوير بعض القطاعات الناشئة مثل الترفيه ورفع الإيرادات غير النفطية عبر الضرائب والرسوم – إلا أن الاقتصاد مازال يعتمد بشكل أساسي على النفط الخام، ولذلك فإن صدمة الأسعار باتت الآن تهدد الكثير من مكاسب الحكومة، وتزيد من صعوبة تمويل المشاريع والاستثمارات لأن 60 بالمائة من الإيرادات لهذا العام كان من المفروض أن تأتي من النفط.
قارن ريكاردو هاوسمان، الاقتصادي في جامعة هارفارد، الوضع الذي يواجه المملكة العربية السعودية بما يشبه "الحرب التي تخاض على جبهتين على الأقل"، وذلك بحسب ما جاء في عرض قدمه للمسؤولين السعوديين واطلع عليه موقع بلومبيرغ. يبين الخبير الاقتصادي في عرضه ذاك آثار الضربة المزدوجة التي تلقتها المملكة بسبب الوباء وأزمة أسعار النفط.
كتب هاوسمان يقول: "كل صدمة لوحدها ضخمة. والصدمتان معاً تعقدان الأمور أكثر فأكثر."
إجراءات صارمة
حتى الآن، بلغت المملكة العربية السعودية عن واحد من أخفض مستويات الإصابة بمرض كوفيد 19 في المنطقة، بمجموع إصابات يقل عن 12 ألفاً من بين السكان الذين يبلغ تعدادهم 32 مليون نسمة. وذلك ناتج جزئياً عن الإجراءات الصارمة التي اتخذت للحد من انتشار الفيروس، ولكنها في نفس الوقت خطوات أدت إلى إغلاق قطاعات شاسعة من الاقتصاد الذي تقدر قيمته بما يقرب من 779 مليار دولار.
اقرأ أيضا: أسعار النفط تواصل السقوط الحر.. برنت هبط مجددا 16 بالمئة
عندما وضعت الحكومة المدن الرئيسية تحت حظر للتجول على مدى اليوم والليلة هذا الشهر، تحسن بشكل كبير وضع المشروع التجاري الذي يديره أيمن السند، أحد مؤسسي واحد من أشهر تطبيقات التوصيل في المملكة، بحيث لم يعد ينام أكثر من أربع ساعات في اليوم لازدياد الطلب على الخدمات التي تقدمها شركته مرسول، فراح يوظف المزيد من عمال التوصيل لكي يتمكن من تلبية الطلبات المتزايدة للناس الذين أرغموا على البقاء في بيوتهم. ولكن حتى بينما ذهب يشيد بمساعدة الحكومة للشركات، لم يملك إلا أن يعبر عن قلقه إزاء أزمة النفط التي تلوح في الأفق.
قال السند حينها: "الجميع خائفون من فيروس كورونا ومن حالة الإغلاق، ولكن، انظر، كل شيء يتوقف على أسعار النفط هنا. إذا ما انهارت الأسعار فعليك أن تتوقع تأثيراً كبيراً على جميع المشاريع التجارية."
حينما انهارت أسعار النفط في الولايات المتحدة إلى ما دون مستوى الصفر لأول مرة في التاريخ، لم تتوقف الهواتف السعودية عن تبادل الرسائل النصية والتغريدات التي تتساءل ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للمملكة.
ليس لانهيار أسعار خام تكساس أثر مباشر كبير على المملكة العربية السعودية نظراً لأنها تبيع فقط 10 بالمائة من نفطها للولايات المتحدة. مصير المملكة يرتبط أكثر بالسعر العالمي المرتبط بخام برنت، والذي انخفض سعره أيضاً، جزئياً بسبب انخفاض الأسعار في الولايات المتحدة.
يقول يوجين واينبيرغ، رئيس وحدة أبحاث السلع في مصرف كوميرزبانك: "كان انخفاض الأسعار الكبير بالأمس مهماً جداً من الناحية السيكولوجية. ومن المحتمل أن يغير ذلك الانطباعات إلى الأبد".
يعزى التراجع الكبير في الأسعار جزئياً إلى زيادة الإنتاج في خضم حرب أسعار مريرة بين المملكة العربية السعودية وروسيا – ولكن يوجد وراء ذلك تخمينات بفترة قادمة يتقلص فيها الطلب، وزاد من المخاوف التحذير الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه قد ينظر في حظر استيراد النفط الخام من المملكة العربية السعودية.
إحباط التعافي
كان كثير من أصحاب المشاريع التجارية في السعودية يتطلعون إلى عام 2020 بعد أن مروا بعدة سنوات صعبة. ولكن يقول الاقتصاديون الآن إنهم ما عادوا قادرين على التخمين بسرعة كافية.
يمكن للناتج المحلي الإجمالي أن ينكمش بنسبة تزيد عن 3 بالمائة هذا العام فيما يعتبر أول انكماش منذ عام 2017 – والأكبر على الإطلاق منذ 1999 – بحسب ما تقوله مالك. ولا مفر من توقع أن يحصل ارتفاع كبير في البطالة إذ تجد كثير من الشركات صعوبة في البقاء عائمة.
وقد يتسع عجز ميزانية الحكومة بنسبة 15 بالمائة من الناتج الاقتصادي، كما يقول محمد أبو باشا، رئيس التحليل الاقتصادي الكلي والاستثمار في مصرف إي إف جي هيرميس في القاهرة. بلغ العجز المالي 4.5 بالمائة في العام الماضي بعد أن كان قد وصل ذروة بلغت 17 بالمائة في عام 2016 بحسب ما يقوله صندوق النقد الدولي.
على الرغم من التوقعات القاتمة، إلا أن كثيراً من السعوديين يشعرون بالامتنان للتجاوب الرسمي السريع مع الوباء. يقول أصحاب المشاريع التجارية إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتنشيط الاقتصاد أنقذتهم من الانهيار.
قبل بضعة أسابيع، كان فيصل الصقر – الذي يوظف ما يزيد عن 1500 شخص في مؤسسة تقدم خدمة مراكز الاتصال وتقديم الحلول للزبائن – على وشك إقالة موظفيه بسبب انسحاب الزبائن.
ولكن عندما أعلنت الحكومة أنها ستغطي ما نسبته 60 بالمائة من الرواتب لبعض السعوديين العاملين في القطاع الخاص، أوقفت شركته، واسمها اتصال إنترناشيونال، قرار الإقالة.
يقول الصقر: "مثل هذه الإجراءات التي تتخذها الحكومة تساعدنا على الأقل على البقاء على قيد الحياة."
حتى الآن، يقول المسؤولون إنهم يخططون لمزيد من الاقتراض لتغطية الفجوة الآخذة في الاتساع في الميزانية، ولم يعلنوا سوى عن تقليص جزئي في الإنفاق.
يقول فواز الفواز، وهو خبير اقتصادي سعودي، إن الحكومة لديها احتياطيات كبيرة ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة مقارنة بدول أخرى. وأشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تمر بها المملكة العربية السعودية بانهيار نفطي.
يقول الفواز: "هذه التقلبات الدورية في صناعة النفط ليست جديدة على صناع القرار في السعودية. لقد رأوا ذلك من قبل، ولذلك فهم أصحاب خبرة."