18.58°القدس
18.41°رام الله
17.19°الخليل
24.73°غزة
18.58° القدس
رام الله18.41°
الخليل17.19°
غزة24.73°
الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
4.97جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.14يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.97
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.14
دولار أمريكي3.72
صالح مشارقة

صالح مشارقة

اعلام الهلع

أنتج انتشار وباء كورونا ما قد نسميه اصطلاحا "اعلام هلع"، عداد موت على الشاشات، باروميتر إصابات في كل رسالة قصيرة، وحتى باقي الاخبار انقلبت بالكامل الى كورونا أولاً وباقي شؤون الحياة تأتي سابعاً او تاسعاً. الوباء أصاب كل الفنون الإخبارية من خبر الفيديو الى كتابة القصة وضيوف التقرير وصولاً الى كل أنواع صحافة الرأي. بالمعنى المهني هذا جيد واستجابة مهنية لقضية الساعة والتطورات، لكن الى متى؟

نحن منذ أربعين يوما في الكمامة المعلوماتية، وهذا أنتج سيسيولوجيا جديدة في الصحافة منها على سبيل المثال استسلام غرف الأخبار لهيمنة المرض الى درجة نسيان باقي شؤون الحياة، بدأت مخيلتنا تنسى اننا يوما ما سنعود الى الشوارع. وهذا امتثال لماكينة كآبة سندفع ثمنها جميعا.

هيمنة اعلام الهلع أنتجت صحافة موالية تماما، موالية للدولة ولأجهزتها وللشركات ولكل المهيمنين بسرعة البرق، حدث هذا في غالبية الدول، الصحفيون تجندوا فورا كأنهم في حرب، واصابتهم حالة من الوطنية المفاجئة تجاه المسؤولين. ولا اعرف مدى سلامة الموقف هنا، ولكن اعتقد ان هناك مبالغات نوعا ما، فقد تم تقديس مسؤولين كل ما قاموا به هو مسؤولياتهم العادية.

الإعلام الاجتماعي ارتمي فجأة في حالة وطنية شعبوية غريبة، في لبنان والأردن وفلسطين ... في أكثر من بلد انتقلت الفيديوهات من الضحك على الدولة الى أطفال يؤدون التحيات العسكرية لدوريات الجيش والشرطة وأهالي يوشحون صور بروفايلاتهم بالصقور والنسور العسكرية. حب الجيش الوطني بتوازن شيء نعتد به، لكن ليس على طريقة يوم نعم ويوم لا، اعتقد ان خزان مشاعرنا يجب ان يكون متوازنا أكثر.

في إعلام الهلع ممنوع ان يظهر الضعفاء او قليلي المهارات الإعلامية، الوزير أو المسؤول أو المواطن غير المنفعل بالكورونا يأتي ثالثاً او رابعاً، وهذا أيضا فيه مبالغة واقصاء وتشدد في وقت عصيب نحتاج فيه الى كل رأي.

في "إعلام الهلع" تنتشر اختراعات كاذبة أو متعجلة أو غير مدروسة، وللأسف تتحول وسائل الاعلام الى مروج مجاني لأخبار مضللة عن اختراعات لمواجهة المرض، كلها لأهداف ربحية ولم تدخل المواصفات والمقاييس الرسمية ولم تسجل في وزارات الاختصاص ولم تمر على الحكومة كلها بل أطلت فجأة على الشاشة، وصارت "إبداعاً فلسطينيا" فجأة. أليس هذا تضليلا إعلاميا، ألم نتعلم جميعا في البكالوريوس إياه ان الدمج بين الخبر والاعلان مخالفة اخلاقية.

في إعلام الكورونا من شدة قابليتنا للاشتعال ننسى كل ما بنيناه من تسامح، وقد نفتح الباب لتعليقات مليئة بخطاب كراهية ينصب على كل مصاب، والمرض صار وصمة قاتلة، وتهمة ينفتح عليها باب الكراهية والتجريح وينسى الكارهون والجارحون ان خلية الأستاذ كورونا قد تكون في لحظة حضانة داخل أجسادهم وقد تنفجر بعد لحظات.

في اعلام الهلع، قد نهدم ما بنيناه في موضوع خصوصية الناس في الاخبار، معلومات موتهم وحياتهم ومرضهم وأسماء أولادهم وعائلاتهم ومكان سكنهم يجب ان تعامل بدقة متناهية، فنحن في زمن الشعبوية الاتصالية التي قد تجرح الناس وتوصم الأماكن وتفسد التدفق الإيجابي للمعلومات ليتحول الاعلام الى جمهرة أصابها الفزع وصارت تتحرك على غير هدى.

في غرفة اخبار "اعلام الهلع" لا مكان لأي صحافة خارج الازمة، لم تعد الرياضة رياضة ولا الفن فنا ولا يوجد أي سياق معلوماتي خارج دورة حياة الفيروس، المذيعون محجورون في الأستوديوهات فعلياً، والصحفيون في المواقع حتى لو اشتغلوا من "كنباياتهم"، كلهم في الحجر، لا اعرف ما المخرج، لكن اعتقد انه كفى.

لا تقرير يفكر بالمستقبل ولا مقابلة مع ما سيأتي بعد الفيروس او مع الفيروس في المستقبل، ثمة كمامة سميكة على صحافتنا وافكارنا وحواسنا ودوافعنا، هذه الكمامة على أهميتها لن تساعد طويلاً، ونحن الصحفيون لسنا انبياء التغيير لكن ممنوع أيضا ان نكون عبيد الحجر والتعقيم والتكميم وافرازات الهلع الجماعي.

ألا يوجد صحافة حلول، الا يوجد صحافة ايجابية خارج فكرة اغسل يديك عشرين ثانية، هذه مهمة اعتقد ان كثيرين منا بإمكانه المساهمة في فتح الطريق لأفكار جديدة فيها. لحظة العودة الى اليوم العادي بطريقة مدروسة وبتوافق الجميع قادمة عاجلا ام آجلاً. والاستعداد لذلك مهمتنا في تخفيف الموجة المفتوحة وضيوف الشاشة المكممين وصياغة الاخبار بدون معقمات وهكذا... أليس كذلك؟

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول.