لا ينكر الدور الوظيفي الذي تقوم به البلديات إلا جاحد، فالنظافة والصرف الصحي والمياه والتخطيط والتنظيم والحدائق والتخلص من النفايات الصلبة كل ذلك من صلب الخدمة اليومية التي تقدمها البلديات إلى المواطن، هذه الخدمات الجليلة يقوم عليها موظفون وعمال، وتحتاج إلى معدات وأموال ووقود على مدار الساعة.
قبل أيام اشتكى رؤساء البلديات في قطاع غزة من ضيق الحال وقلة المال، وهددوا بتقليص الخدمات المقدمة للجمهور، ولهم الحق في ذلك، فمن أين للبلديات في قطاع غزة بالمال الكافي لتسهيل العمل وتسييره؟ ولاسيما أن رأس مال البلديات جيب المواطن الذي يفتش عن قوت يومه فلا يجده إلا بمشقة وتوسل!
البلديات في قطاع غزة بحاجة إلى دعم مالي منتظم يتجاوز فاتورة المواطن، دعم مالي لا تقدر عليه قيادة غزة، ولن تحرص على توفيره قيادة السلطة في رام الله، لذلك ستعاني البلديات في قطاع غزة من الجائحة المالية والنائحة الجغرافية فترة طويلة من الزمن، على خلاف البلديات في الضفة الغربية، والتي تحظى بتعدد الموارد المالية، والمساهمات الذاتية، والمساعدات الحكومية، ولا داعي للشرح والتوضيح والمقارنة، فهذا ليس موضوع المقال.
إضافة إلى تقليص الخدمات المقدمة للمواطن، فقد أمست المجالس البلدية في قطاع غزة غير قادرة على توفير 50% من رواتب موظفيها، وهذه مأساة مركبة، قد تحض بعض رؤساء البلديات على الهرب، وترك مواقعهم، والتخلي عن واجبهم، وهذه خيانة للأمانة في تقديري، فالواجب الوطني والديني والأخلاقي يقضي بأن يخوض رؤساء البلديات معركتهم بأمانة وشرف، فهم قادة المجتمع المدني، وهم قادرون على الفعل من خلال:
أولاً: التحرك بمسيرة حاشدة في اتجاه السياج الحدودي برفقة مئات سيارات النظافة والصرف الصحي والخدمات العامة، مسيرة حاشدة تضم آلاف العمال والموظفين العاملين في البلديات، تهدف إلى تحميل إسرائيل المسؤولية عن الأوضاع الإنسانية المزرية لسكان قطاع غزة، على أن تتحرك المسيرة بتغطية إعلامية واسعة، وبعد إبلاغ ممثل الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية عن موعدها وأهدافها، ليقوم المبعوث الدولي بإبلاغ الإسرائيليين عن سلمية المسيرة، وتحميلهم المسؤولية عن كل أذى يلحق المشاركين.
مسيرة عمال وموظفي البلديات بمثابة رسالة إنسانية إلى المجتمع الدولي، وستجد صداها على أكثر من صعيد محلي وعربي، ولها دلالات سياسية بعيدة المرمى، وتحرج أكثر من طرف، وتلقي بعبء عزة واحمالها على كاهل كل المتفرجين.
ثانياً: التحرك الداخلي باتجاه الانتخابات، وهنا يبرز دور القائد في رؤساء البلديات، وذلك بالضغط والعمل والتدبير والتواصل مع كل الأطراف السياسية والمجتمعية بهدف إجراء انتخابات للمجالس البلدية في قطاع غزة، انتخابات ستفرز قيادة مدنية لسكان غزة، قيادة قادرة على التحرك والفعل والمناشدة واللقاءات، ومخاطبة المجتمع الدولي، وستكون قادرة على زجر كل من يتهمها بالإرهاب، ومن يعاقبها بتهمة الانتماء التنظيمي.
ملحوظة: قبل سنة 1948، وبهدف التصدي للعدوان الصهيوني؛ شكل رؤساء البلديات في قطاع غزة قيادة وطنية، حرضت الناس على قتال الأعداء، وتحملت مسؤولياتها الوطنية، وكانت حلقة الوصل بين القيادة السياسية وبين جماهير الشعب الذي لم يبخل بالعطاء.