تناول الكاتب والمحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، وقوع الدول العربية في فخ المديونية، والتي بلغت أقصاها لدى لبنان بنسبة 151 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، متسائلا "هل ستلجأ الدول العربية لبيع معالمها ومقدساتها لسداد الديون؟".
وأوضح نازاروف في المقال الذي نقلته "روسيا اليوم" أن لبنان هو الورقة الأولى من "إفلاس الدول العربية"، دون أن يتسثني من "الوضع الهش" البلدان النفطية الخليجية التي تنمو ديونها بسرعة، في ظل انهيار أسعار النفط.
واستعرض نازاروف مراحل الاقتصاد الرأسمالي المتعاقبة، حيث يتبع النمو والإفراط في الإنتاج وجمع الأموال أزمة وإفلاسا للأفراد والشركات وتخلصا من جزء من الإنتاج ورأس المال، وهي أزمة دورية لهذا النظام منذ الكساد الكبير عام 1929.
وينوه إلى أن الأزمة الحالية مختلفة قليلا عن السابقة، خاصة بعدما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، وحصل الاحتياطي الفيدرالي حينئذ على إمكانية طباعة دولارات غير مغطاة بكميات غير محدودة وتحفيز الاستهلاك باستخدام الائتمان.
وقال: "أدى ذلك إلى ارتفاع الإنتاج، ومعه أيضا نما هرم الديون، الذي وصل اليوم إلى مستويات لم يشهدها تاريخ البشرية من قبل".
ونظرا لأنه يستحيل زيادة الاستهلاك إلى ما لانهاية حتى بمساعدة القروض، والتي تعني أن رأس المال العالمي يتوقف عن تحقيق الربح، فقد أصبح معدل الفائدة في الاقتصادات الكبرى قريبا من الصفر وحتى السالب لتحفيز الاقتصاد.
ويضيف: "إن تريليونات الدولارات واليورو غير المغطاة التي تطبعها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لن تدخل قطاعات الإنتاج، لأن الاستثمار في الإنتاج يتسبب الآن في خسائر. لكن الاقتصادات الغربية على الأقل تتلقى المال مجانا".
أما الدول الفقيرة والأقل موثوقية في السداد كلبنان "تضطر إلى دفع نسب فائدة أعلى على القروض، أي لفترة قبل إفلاسها، أي أنها ما زالت قادرة على تحقيق أرباح لأصحاب الأموال العالمية".
ومع انخراط اقتصادات الدول الفقيرة في الأزمات العالمية فإنها تحاول تأخير انهيارها بالاعتماد على الاقتراض من الغرب والذي يصبح أرخص وأكثر سهولة في كل عام، ما جعلها تغرق في الديون بالكامل.
وللمقارنة يشير إلى أن بعض البنوك الأمريكية تقترض من الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 0 بالمئة سنويا، فيما تقدم قروضا لحكومة لبنان أو مصر أو المملكة العربية السعودية أو لدول أخرى بموجب فائدة قدرها 5 بالمئة، والتي ترحب بهذا القرض لأنها كانت عاجزة عن الحصول على فائدة قدرها 10 بالمئة في العام الماضي.
وتكمن الخطورة، بحسب نازاروف، في أن هذه الدولارات واليوروهات تأتي "من الهواء"، ولا يمكنها سوى أن تؤخر قليلا انهيار النظام المالي العالمي وهرم الديون، لكنها أبدا لن تمنعه.
ويؤكد أن "المفارقة تكمن في أن البنوك المركزية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يمكنها طباعة الدولار واليورو "من الهواء"، لكن حكومات لبنان ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها لا تستطيع ذلك".
وحينما يبدأ انهيار النظام المالي العالمي، كالأزمة عام 2008، كانت البنوك جميعها مشلولة من فرط الهلع، لأن الطلب سينهار، ولن يكون الائتمان التجاري متاحا، ما يبرز التساؤل الهام "من أين ستحصل الدول العربية على الدولارات واليوروهات لسداد ديونها؟".
ويقول: "سوف تتحول عبر هذه العملية الملكية من المدين إلى الدائن، ويجري من خلالها تحول هائل في تركيز الملكية إلى أيدي عدد من البنوك العالمية، التي تتحكم في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وهذه البنوك سوف تحصل على ذلك مجانا، بعد أن طبعت دولارات "من الهواء". إنها عملية الاحتيال الأعظم في تاريخ البشرية.
ويضيف: "بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية عدم سداد ديونها، يقترح بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس الأمريكي بالفعل عدم سداد ديون الولايات المتحدة للصين. ومع ذلك، فمن غير الممكن ألا يسدد العرب ديونهم لأمريكا".
وينجم عن ذلك "صفقة القرن"، و"إفلاس لبنان"، موضحا أن "المقرضين الدوليين" اشترطوا طرد حزب الله من الحكومة مقابل أي مساعدة للبنان. وبدون ذلك، سيغرق لبنان في الفوضى والكوارث الاقتصادية.
أما "صفقة القرن" فهي بمثابة زجاجة مياه لميت من العطش في قيظ الصحراء مقابل التنازل عن المقدسات الإسلامية وحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
ويقول: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تشطب ديون العرب دون أن تحصل على شيء مقابل ذلك".
وفي العالم الحديث المبني على سباق الإنتاج وتكون فيه الأولوية لمن يستدين القروض حتى لو أفلس مستقبلا فإن "قدرة الحكومات العربية على عدم الوقوع في هذا الفخ قد لا تكون موجودة".
لكن الحقيقة هي أن "الولايات المتحدة الأمريكية تطبع النقود "من الهواء"، وتقرضها للحكومات العربية، التي سوف تضطر مستقبلا لسداد هذه الديون بأصول حقيقية، من الودائع أو حقول النفط، أو الثقافة الوطنية، أو الأضرحة والمقدسات. ولن يكون بإمكان هذه الحكومات ساعتها الاعتراض على أقوى قوة عسكرية على هذا الكوكب" على حد قول الكاتب الروسي.