"سأحضّر مائدة العيد مثل كل الأعياد، وسأُعِدّ كل ما يلزم وكل ما يليق بالاحتفال"، هذا ما عبرت عنه سميرة (شابة من شمالي المغرب في الثلاثينيات من عمرها) بعد أن أعلن عن تمديد وضع الطوارئ الصحية للمرة الثانية بالمغرب لتشمل أيام العيد.
سميرة كغيرها من المغربيات دأبت على الاستعداد لاحتفال عيد الفطر، وورثت عن أمها وجدتها طريقة إعداد أطباق خاصة وتزيين مائدة إفطار كبيرة صباح العيد الذي يسميه المغاربة "العيد الصغير".
العيد عاد
قديما قال البحتري "فانعم بعيد الفطر عيدا إنه يوم أغر من الزمان مشهَّر"، مع عودة كل عيد عودة للفرح والاحتفاء، مهما كانت الظروف والأحوال، وعيد الفطر عند المغاربة خزان عادات وطقوس، يحوّل الساحات والشوارع لفضاء مفتوح لعرض ما جَدّ في عالم اللباس التقليدي، ويحوّل موائد البيوت إلى وجبات (بوفيهات) متنوعة تعرض تشكيلات من الحلويات والفطائر المتعددة التي تبقى ممدودة طيلة يوم العيد لاستقبال المعيدين والضيوف.
ويعتبر هشام الأحرش باحث مغربي (بحث في تاريخ الأطباق المغربية الأكثر تداولا) أن الطعام مرتبط بالاحتفال والاحتفاء منذ الأزل، ويضيف في حديث مع الجزيرة نت، أن الطعام في الحضارات القديمة كان يُعِده الكهنة ويقدم للآلهة، وكان طعاما مميزا ومرتبطا بالمقدَّس.
وعاد الأحرش ليوضح أن الطعام عند المغاربة بقي مرتبطا بالتقديس وبالاحتفاء وإعطاء القيمة، به يُعبّر عن إكرام الضيف وعن المسرات، والأعياد واحدة من المناسبات الدينية التي تكون فيها جودة الطعام وقيمته حاسمة.
إفطار الأمهات في عيد الفطر
تعد المغربيات تشكيلات من الحلويات والفطائر لا محيد عنها بالعيد، أهمها الرغيف المعسل المحشو باللوز، وهي واحدة من مكونات المائدة المغربية المرتبطة تحديدا بعيد الفطر حتى إنها تسمى "رغيفات العيد"، وتقول سميرة إن "الرغيف ضرورة في المائدة مهما تعددت الحلويات".
وتعكف الأمهات على إعداد مائدة إفطار العيد طيلة الليل لتكون جاهزة في الصباح، وتشمل مختلف أنواع الفطائر المعروفة بالمغرب مثل "المسمن" و"الحرشة"و"البغرير"، والرغيف المحشو بالجبن عند أهل الشمال، و"رزيزة القاضي" التي تقدم رفقة الزبدة والعسل المخلوطين، والأجبان وأنواع المربى والفواكه الجافة من لوز وجوز وتمر وزبيب، بالإضافة للكيك بمختلف أنواعه وتشكيلة الحلويات التقليدية والعصرية.
في حين كانت الجدات يُضفن لطعام الصباح الأرز بالحليب والسكر والقرفة واللوز وماء زهر البرتقال أو ماء الورد، وفي بعض المناطق الأمازيغية يحافظون على العصائد وطبق تحلية يسمى "بركوكش".
الحلويات في كل بيت
وتحكي الشيف نعيمة العسري للجزيرة نت أن الحلويات المشكلة لا يمكن أن تغيب عن أي من موائد العيد لدى المغاربة في كل ربوع المملكة، وتشمل بالضرورة "كعب الغزال" و"الفقاص" و"غريبة البهلة"، إضافة إلى ذلك حلويات "الصابلي" والتمر والسميد وتشكيلات الحلويات باللوز.
وتؤكد العسري أن الأمهات يحرصن على وجود الحلويات، "إن غاب كعب الغزال لكلفته حضرت الغريبة"، بحسب تعبيرها.
ورغم انفتاح المطبخ المغربي على مختلف المطابخ العالمية، تقول العسري إن المغربيات يحافظن على الأطباق الأصلية ويتوارثنها عبر الأجيال، وتضيف (وهي أستاذة لفنون الطبخ بأحد المعاهد بمدينة أغادير) "تتعلم الأم المغربية الأطباق الأصلية أولا ثم تجرب مشتقاتها أو تكيفها بحسب الحاجة".
غداء العيد
يشكل العيد جسر الانتقال بين نظامين غذائيين مختلفين، يستعيد فيه الناس نشوة تقديم الطعام خلال النهار، ووجبة الغداء بعيد الفطر تكون ولائمية بامتياز تليق بالفرح والترحاب بالأهل والأحباب.
وغالبا ما تقدم الأمهات المغربيات بالعيد طبق الدجاج المحمر بحيث تستطيع التحكم في عدد الدجاجات بحسب الزوار، فالدجاج المحمر يعد ولا يقلى أو يشوى بالفرن إلا قبل التقديم مباشرة. تقول سميرة "إذا صادف العيد يوم جمعة يحسم الكسكس النقاش لصالحه ولا يعلو عليه، أما إذا كان غير ذلك فنهيئ الدجاج المحمر".
ويشمل المطبخ المغربي أكثر من 700 طبق يُختار منها في العيد أجودها بحسب إمكانات الأسر، ويتشارك المغاربة في الطاجين بوصفه طبقا أساسيا، وغالبا ما ترجح كفة "اللحم بالبرقوق" أو الفاكهة الجافة، وهو طبق يتجاوز عمره ثلاثة آلاف سنة حافظ عليه المغاربة واحتضنوه، حسب الباحث هشام الأحرش. وتتميز أطباق العيد بإضافة النكهات كالزعفران وماء الورد، ويعد له خبز خاص بمختلف أنواع المنسمات.
ويمكن أن تقدم الأمهات "البسطيلة" (طبق المناسبات والضيافات، يهيأ بورق خاص ودجاج ولوز محلى) أو "الرفيسة" (التريد)، وهو عبارة عن فطائر مرققة مسقية بالدجاج، وكذلك "السفة" (عبارة عن طبق أرز أو الشعيرية بالسكر والقرفة واللوز المقلي) التي غالبا ما تكون طبقا ثالثا بعد المقبلات والطبق الرئيسي وقبل طبق الفاكهة. وفي بعض البوادي يحتفظ المغاربة بالكسكس طبقا رئيسيا.
شاي وأوان فضية وتطريز
وتهتم الأمهات بالمغرب بأواني تقديم أطباق العيد، وتحرص على استخراج عدّة الشاي الفضية (الصينية والبراد والسكريات التي كانت جزءا أساسيا من جهاز العروس)، بالإضافة إلى أغطية المائدة المطرزة، والحرص على تغيير الستائر والأفرشة، ومد المائدة بالصالون التقليدي (المحفوظ دائما للضيوف).
يقول هشام الأحرش إن الطعام عند المغاربة مرتبط بالثقافة وبالفرح، فحتى الفقراء منهم يُخرجون ما يكون مخبأ بالخزين لعوادي الزمن خلال العيد، مثل السمن والعسل واللوز والجوز والزبيب.
ويرى الأحرش أن مائدة المغاربة لن تتغير في العيد بسبب الحجر، فهي "قد تنقص قليلا لكن لن تختلف في بنيتها".
فهل تبقى أطباق موائد العيد ممدودة طيلة اليوم، أم سيحول غياب الزوار بسبب الحجر دون ذلك؟
يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت.. أطفالنا نحن والأقفال تنغـق
ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا.. والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق
وصفة كعب الغزال
وتاليا المقادير لتحضير عجينة كعب الغزال:
200 غرام دقيقا
نصف ملعقة صغيرة من الملح
20 غراما من السكر البودرة
23 غراما من الكريمة الطازجة
ملعقة كبيرة من الزيت
ماء الزهر (للعجن)
لتحضير الحشوة
200 غرام من اللوز
100 غرام من السكر
20 غراما من الزبدة في درجة حرارة الغرفة
20 غرام من ماء الزهر
زيت نباتي + زبدة بدرجة حرارة الغرفة للدهن