على الرغم من أنه لم ينل أدوار بطولة مطلقة إلا نادرا طوال مسيرة امتدت على سبعة عقود، فإن الممثل المصري حسن حسني (1931- 2020) الذي رحل عن عالمنا أمس السبت يعدّ أحد أشهر الممثلين العرب على الإطلاق، وقد مثل أداؤه خيطا ناظما بين مئات الأعمال الأساسية في السينما والدراما المصريتين.
على عكس ما يوحي به لفظها، فإن الأدوار الثانوية تلعب دورا أساسيا في بناء العمل الفني المتكامل وتماسكه، حيث إنها تُسند الأدوار الكبرى وتؤثث فضاءها بالمدة التي تتيح لها التألق، وبدونها يصعب على الممثل-البطل اللمعان في دوره في حال لما يجد له نداً من الممثلين الثانويين، وهو ما نلاحظه مثلا في عملين دراميين اشترك فيهما حسن حسني مع محمود عبد العزيز، الأول هو مسلسل "البشائر" لسمير سيف حين أدى دور الضابط الذي قابل بخشونته الروح المرحة وغير المبالية التي اتصفت بها شخصية أبو المعاطي شمروخ (أداء محمود عبد العزيز)، والدور الثاني كان في مسلسل "رأفت الهجان" ليحيى العلمي، حين أدى دور المحامي الإسرائيلي يوسف الأزرع وقدّم بذلك فضاء لمشاهد حوار قوية للغاية مع محمود عبد العزيز، ولعبة تنافس عالية النسق بين الشخصيتين اللتين أدياها، خصوصا في الجزء الثاني الذي يعدّ ألمع أجزاء السلسلة.
قبل هذه النجاحات التلفزيونية، ضرب مشوار حسن حسني بعيدا في فضاءات متعددة للتمثيل، معظمها هامشي مثل المسرح المدرسي، والمسرح العسكري، وصولا إلى عضوية المسرح القومي، فالحضور في الدراما الإذاعية ومن ثم في السينما ثم التلفزيون وهو طريق طويل قلما كان يُفضي لمن يسلكونه إلى النجومية.
يُحصي موقع "السينما.كوم" قرابة 500 دور جسّده حسن حسني، وربما سنفاجأ بأن أدوارا كثيرة أداها وقلما انتبهنا إلى حضوره مثل نادل المقهى في فيلم "الكرنك" (1975) لعلي بدرخان، مع سعاد حسني ونور الشريف، أو "الحب تحت لمطر" (1976) لحسين كمال مع ميرفت أمين وأحمد رمزي، وكثير من الأفلام لم يتمثل حضوره داخل الكادر إلا بشكل هامشي لثوان معدودات.
لعلّ اللحظة التي نقلت حضور حسن حسني من تجسيد دور هامشي إلى أدوار ثانوية لها دورها العميق في حبكة العمل كان مع عاطف الطيب في فيلم "سواق الأوتوبيس" (1982)، حين أدى دور عوني أحد المعطلين الأساسيين لصاحب الدور الرئيسي نور الشريف، مُظهرا هنا الكثير من التكافؤ على مستوى الأداء. ومع عاطف الطيب حضر حسن حسني أيضا في دور الضابط فهيم في "البريء" (1986)، وفي أفلام الثمانينيات يمكن أيضا ذكر فيلم "امرأة رجل مهم" (1988) لمحمد خان وفيه أسند بقوة الدور المعقد الذي أداه أحمد زكي بإتقان مرعب.
كثيرا ما يضع مؤرخو الفن في العالم العربي عقد التسعينات كمرحلة تحولات عميقة، ففيها قل حضور النجوم الكبار (محمود عبد العزيز، أحمد زكي، نور الشريف، عادل إمام، حسين فهمي) لتصعد أسماء جديدة معظمها من الشباب، وقد كان لحسن حسني دور في هذا الانتقال حيث أنه سينسد هذا الجيل كما فعل مع الجيل الذي سبقه، بل إنه سيلمع بأدائه لأدوار ثانوية على حساب أصحاب الأدوار الرئيسية التي يُسندها مثل وليد علاء الدين في "عبود على الحدود" ثم في فيلم "الناظر"، أو منى زكي وهاني رمزي في مسرحية "عفروتو"، وهي أعمال لاقت نجاحات جماهيرية عالية، وبذلك أصبح حسن حسني نجما بدون أن يكون في موقع بطولة، ولعله كان في ذلك يغطي الفراغ الكبير الذي تركه الفنان عبد المنعم مدبولي في أدوار الأبوة.
التسعينيات هي أيضا مرحلة انتقال مركز الثقل الفني من السينما إلى التلفزيون، وخلالها أدى حسن حسني مجموعة أدوار لافتة مثل دور شريف الكاشف في رباعية "بوابة الحلواني" لـ إبراهيم الصحن، ودور شديد باشا في "دموع صاحبة الجلالة" ليحيى العلمي، لكن أبرز ما علق في هذه المرحلة هو أداؤه لدور والد أم كلثوم في 1999، وبالخصوص حضوره الاستثنائي في عملين من إخراج جمال عبد الحميد وكتابة أسامة أنور عكاشة وبطولة صلاح السعدني، هما "أرابيسك" (1994)، و"حلم الجنوبي" (1997).
لم تستمر حالة الازدهار الفني في الدراما المصرية في القرن الجديد، حيث غلبت الأعمال الخفيفة، الكوميدية أساسا، والتي وجد فيها حسن حسني أدوارا كثيرة لكن هذا اللمعان كان بريقا داخل أعمال فقيرة فنيا لم تكن تضيف على مسيرته، ولعل حضوره كان استثماراً من قبل المنتجين في رصيد المحبة الذي تكنه له شرائح موسعة من الجمهور العربي. ما يبقى خلال هذه الأعوام هو التفكير فيه للعب أدوار رئيسية أو بناء حبكة العمل حوله شخصيته كما في مسلسل "جدو وولاد بنتو" (2014).
عبر هذه المسيرة الطويلة جسّد حسن حسني باقة ملوّنة ومتنوعة من الشخصيات، بين فلاح يتحدث لغة ريفية بسيطة ورجل الدولة، كان يتقن أدوار الحنان الأبوي كما لا يخفق في أدوار الشر المطلق. معه يمكن أن نعيد نظرنا في الدور الذي يلعبه الممثل الثانوي، إنه جزء من نسيج الأعمال التي يشارك فيها، وحتى في حال لم ينل أدوار البطولة، فإن مجمل مسيرته تجعلنا نوقن بأنه بطل في الشريط/التاريخ الطويل لفنون السينما والدراما المصرية.